abozezo1 نائب المـدير
عدد الرسائل : 100 عدد المساهمات : 1476 نقاط : 3118 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 11/12/2009 العمر : 56
| موضوع: المُعْجزة الكبْرَى القرْآن الثلاثاء يناير 19, 2010 9:22 am | |
| 1 - يسير الكون على سنن قد سنَّت ، ونظمٍ قد أُحكِمَت ، وارتباطٍ بين الأسباب والمسببّات العادية لا يتخلَّف ، وإن تخلَّفت المسببات عن أسبابها ووجدت الأمور منفكة عن علتها ، كالولد يولد من غير أبٍ ، وكالحركة تجيء من جامد لا يتحرَّك كعصا ، ، ونار تنطفئ وقد أوقدت ، إذا كان ذلك الانقطاع بين الأسباب العادية ومسبباتها حكم العقل بأن الذي فعل ذلك فوق الأسباب العادية ومسبباتها ، ولو ساير العقل منطقه إلى أقصى مداه "وليس بعيدًا في حكم المنطق العقلي المستقيم الذي يصل إلى المدى من أقرَّ به" ، فإنَّه لا بُدَّ واصل إلى أن الذي خرق العادات وخالف أساببها ومسبباتها لا بُدَّ أن يكون خالقها وموجدها ، وإذا كان القصور العقلي لا يصل إلى هذه الغاية ، فإنه لا بُدَّ واصل إلى أن خرق هذه العادات ، لا بُدَّ أن يكون لغاية ، وأنَّه إذا وجدت هذه الغاية وبينت مقاصدها ، وعلم أنَّ ذلك الخرق لهذه الغاية تبين معه صدق ما يدعى ، وأنه يعلم من وراء ذلك الخالق الحكيم ، المسيطر على كل شيء ، الذي يفعل ما يرد ، ولا يقيده نظام خلقه ، ولا عادات أوجدها. لذلك كان الأمر الخارق للعادة حجة الصدق لمن يدَّعي أنه يتكلم عن الخالق الحكيم الفعَّال لما يريد ؛ لأنه لا يغير العادات سواه ، وإن الصادق يعلن دعواه ، ويقيم ذلك برهانًا عليها ، ويتحدَّى الناس أن يفعلوا مثلها ، ويسمَّى في هذا الحال أنه معجزة. ولذلك عرفوها بأنها : المرّ الخارق للعادة الذي يدَّعي به من جرى على يديه أن نبي من عند الله تعالى ، ويتحداهم أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين ، وأن المعجزة المادية تتحدَّى بنفسها مع ادِّعَاء الرسالة ، فإن النار لا تنطفئ من تلقاء نفسها ؛ إذ يلقى فيها إبراهيم - عليه السلام - فتكون بردًا وسلامًا عليه فلا يحترق ، وكالعصا التي تتحرك وتتلوَّى كأنها ثعبان مبين ، وليست سحرًا كما أدرك الساحرون ، وكانوا أول المؤمنين ، وكإبراء عيسى للأكمه والأبرص بإذن الله ، وكإحيائه الموتى بإذن الله ، فما كان له أن يطلب منهم أن يأتوا بمثلها ، والقصور بَيِّن والعجز واضح ، ومع ذلك فالتحدي قائم ، والعجز ثابت ، والحجة قائمة ، وكان عليهم أن يؤمنوا بالحق إذا جاءهم. 7 وهناك بجوار المعجزة المادية معجزة هي شيء قائم بذاته ثابت ، ولكن الإعجاز فيه أمر لا يدرك بالحس ، ولكن يدرك بالدراسة والفحص ، وقد يدَّعي بعض من لا يسبر غوره ، ويعرف أمره ، أنه يستطيع أن يأتي بمثله ، وما هو بمستطيع ، وأنه في قدرته ، وليس بقادر عليه ، وهو من غرور النفس ، أو ادِّعاء القدرة أو اللجاجة في الأفكار ، والمباهتة المناهضة للحقائق. وإن ذلك يكون في المعجزة التي تكون من نوع الكلام ، وهي معجزة القرآن الكريم ، فقد كان الغرور يوهم بعض المخاطبين به أن عندهم القدرة على الإتيان بمثله ، فكان لا بُدَّ من كشف هذا الغرور ، وإزالة تلك الغشية الباطلة ، ليتبين وضح الحق ، ولذلك طالهم الله تعالى بأن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين في مثل قوله تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سورة البقرة : 23] ، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات ، وقرَّر سبحانه أن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثله ، فقال تعالى : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء : 88]. 2 - وهنا يسأل سائل : لماذا كانت معجزة إبراهيم نارًا موقدة صارت بردًا وسلامًا ، ومعجزة موسى - عليه السلام - كانت عصا صارت حية تسعى ، وغيرها أيده الله به إلى تسع آيات كلها كانت مادية حسية ، وكذلك كانت معجزة عيسى - عليه السلام - إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ، وإنزال مائدة من السماء ، بل كانت ولادته ذاتها معجزة حسية ؛ إذ ولد من غير أب ، وتكلم في المهد صبيًّا ، إذ قال : {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم : 30 - 33]. لماذا كانت معجزات الأنبياء السابقة حسية على ذلك النحو ، ومعجزة محمد - صلى الله عليه وسلم - معنوية ، فقد كانت بيانًا يتلى ، وذكرًا حكيمًا ، يحفظ فيه بيان الشراع المحكمة الخالدة. قبل أن نخوض في الإجابة عن السؤال الوارد في موضعه ، نقرر أن كون المعجزة مادية حسية تبهر الأعين بادئ الرأي لا يدل على علوِّ المنزلة ، أو عكسها ، ولكنها حكمة الله تعالى العليم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، والله تعالى فضل بعض الرسل على بعض ، فمنهم من كلَّم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات ، ولكن ليست 8 الرفعة بكون الآيات مادية أو حسية ، بل بأمور قدَّرها الحكيم العليم الذي له وحده حق نوع التفضيل والرفعة. ونعود بعد ذلك إلى الإجابة عن السؤال الوارد ، فنقول : إن العلماء قالوا : إن كل معجزة مناسبة للعصر الذي أرسل فيه كل نبي ؛ إذ تكون هادية ومرشدة ، وخرقها للعادات الجارية يكون أوضح ، ومناسبتها لرسالة النبي المبعوث يكون دليلًا على كمال الرسالة وعموم شمولها لكلّ الأزمنة. وقد نخالفهم في بعض ما ذكروا أو نوافقهم ، فنرى أنَّ إبراهيم جاء في قوم كانوا على مقربة من عبدة النار ، فكان في إطفاء الله تعالى للنار من غير سبب ظاهر بيان بعجز النار التي تعبد. ونوافقهم في أنَّ معجزات موسى - عليه السلام - كانت مناسبة لأهل مصر ؛ لأن السحر والكهانة كانا فيهم ، وقد كان للسحرة مكانة عندهم ، وبقية المعجزات كانت متعلقة بالزرع وآفاته ، وهم أهل زرع وضرع من أقدم العصور ، كما قال تعالى : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ، وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} [الأعراف : 133 - 135]. وهكذا كانت تسع آيات حسية مناسبة لأهل مصر ، وبني إسرائيل ، فكانوا يقولون : إنه سحر. واقرأ قوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ، قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء : 101 - 102]. 3 - هذه معجزات إبراهيم وموسى - عليهما الصلاة والسلام ، وهي مناسبة لزمنهما ، وكذلك معجزة عيسى - عليه الصلاة والسلام - كانت مناسبة لعصره ، لا لأن عصره شاع فيه علم الطب كما يقول بعض علماء الكلام ؛ لأن علم الطب لم يكن رائجًا بين بني إسرائيل ، فلم يكن بينهم علم أبقراط ، كما قرر رينان في كتابه "حياة يسوع" ، بل إن معجزاته كانت من ذلك النوع لسبب آخر يجب أن نتلمَّسه من غضون التاريخ ، ومن حال بني إسرائيل ، ذلك أن العصر كان عصرًا ماديًّا يؤمن بالمادة ولا يؤمن بالغيب ، بل كان من اليهود من لا يؤمن باليوم الآخر ، وإنك لترى أن التوراة التي بأيدينا ، وهي ميراثهم من التوراة التي حرفت ، تقرر أن نفس الإنسان هي دمه. 9 وكان بجوار هذه الروح المادية التي سادت بني إسرائيل استجابة لما هو سائد في عصرهم الروماني الذي كان يؤمن بالمادة ، كان بجوار هذا إيمان بالأسباب العادية والمسببات ، بحيث يعتقدون أنه لا يمكن أن ينفكَّ السبب عن مسببه ، واللازم عن ملزومه ، فلا توجد نتائج من غير سبب عادي ، فهلَّا ولد من غير والد ، ولا حياة تكون بعد موت من يموت ، فلا يرتد حيًّا ، وقد عجزت الأسباب عن أن يرتدَّ حيًّا من يموت ، وعجزت الأسباب عن أن يرتدَّ بصيرًا من يولد أعمى. لقد سادت الفلسفة الأيونبه ، والفلسفة اليونانية التي تقرر لزوم الأسباب العادية ، حتى لقد فرضوا أن الأشياء نشأت عن الخالق لها بقانون السببية ، فقالوا : إن الكون نشأ عن المنشئ الأول نشوء المسبب عن سببه بلا إرادة مختارة منشئة. لقد قرروا أن قانون الأسباب هو الذي يحكم كل شيء. لذلك كانت معجزات عيسى - عليه السلام - متضمنة الرد والتنبيه في أمرين : أولهما : بيان سلطان الروح ، فقد ظهرت الروح مسيطرة موجهة مرشدة في أنه كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، وفي أنه - عليه السلام - أحيا الموتى بإذن الله ، وأخرجهم من قبورهم بإذن الله ، وأنزل عليه مائدة من السماء بإذن الله تعالى. وثانيهما : أنه كانت معجزاته - عليه السلام - هادمة لارتباط الأسباب العادية بمسبباتها ، لقد ولد من غير أب ، والأسباب العادية تقرر أنه لا مولود من غير والد ، وتكلَّم في المهد صبيًّا ، وذلك غير المقرر في الأسباب والمسببات ، وأخبر عن بعض المغيب عنه ، وذلك غير الأسباب العادية التي توجب المعاينة في صدق الأخبار ، وأحيا الموتى بإذن الله ، وذلك ما لا يتحقق في الأسباب العادية.
وكل معجزات الأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم - سواء أكانت مادية في كونها ، أم كانت متضمنة معاني روحية - كانت من النوع الذي يحسّ بالرؤية ، ويكون من بعدها التأمل ، وليس من النوع الذي يكون بالتأمل ، ولا يدرك إلا بالتأمل ، وإن كان قائمًا ثابتًا في الوجود من غير ريب ، وكانت حوادث تقع ، ولا تبقى ، ولا يبقى منها إلا الإخبار بها ، فلا يعرفها على اليقين إلا من عاينها. 4 - ولكن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم كانت من نوع آخر ، لم تكن حادثة تقع ، وتزول من غير بقاء لها إلا بالخبر ، بل كانت قائمة تخاطب الأجيال ، يراها ويقرؤها الناس في كل عصر ، ونقول : إنها مناسبة لرسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم ، لعمومها في الأجيال ، ولمكانته بين الرسل ، ومقامه في هذا الوجود الإنساني إلى يوم القيامة. إن معجزات الأنبياء السابقين لا يعلم وقوعها على وجه اليقين إلا من القرآن ، فهو الذي سجل معجزات نوح وإبراهيم وموسى وعيسى - عليهم الصلاة والسلام ، ولولا أنه سجلها ما علمها الناس ، وإذا كانت بعض الكتب القائمة اليوم ذكرت بعضها فقد ذكرته مشوبًا بأمور غير صادقة ؛ كإخبارهم بأن لوطًا كان مخمورًا فوقع على ابنتيه ، وما يكتب فيه مثل هذا عن بعض النبيين لا يمكن أن يكون مقبول الخبر عن سائرهم ومعجزاتهم. ونقول : إن معجزة محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت القرآن ، لقد أجرى الله تعالى على يديه خوارق وعادات أخرى ، مثل : إخباره عن بعض ما يغيب عن حسه ، ومثل حنين الجذع إليه ، ومثل بكاء الناقة عنده ، ومثل الإسراء والمعراج ، ولكن لم يتحد إلّا بالقرآن الكريم ، ولم ير المشركون صرحًا شامخًا يتحداهم به سوى القرآن الكريم. ولماذا كانت معجزة محمد - صلى الله عليه وسلم - القرآن ، وما كان يرجو الاتباع إلا به ، ولقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "ما من نبي إلا أوتي ما مثله آمن به البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحي به إليَّ ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوما لقيامة" ، ومن هذا يتبين جواب ذلك السؤال ، وهذا لأنه رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدة ، لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، ولا نبي بعده ، فيجب أن تكون معجزته مناسبة لهذه الرسالة الخالدة الباقية التي لا يحدُّها زمان في المستقبل ، بل تبقى إلى يوم القيامة ، ولا تكون معجزته واقعة تنقضي وتنتهي بانتهاء الزمن الذي وُجدَت فيه ، بل تبقى الحجة ما بقيت الشريعة ، وذلك محقق في القرآن ، فهو حجة قائمة على العرب والعجم إلى يوم الدين ، وهو معجز لكل الخلائق ، وذلك ما نتصدى لبعضه ، والله هو المعين. المعجزة الخالدة : 5 - تلك المعجزة الخالدة هي القرآن الذي يتحدى الأجيال كلها أن يأتوا بمثله ، ولو اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا ، كما ذكر الله - سبحانه وتعالى - في محكم التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، هو حجة الله على خلقه ، وحجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في رسالته ، وسجل الشريعة المحكم في بيانه ، وهو المرجع عند الاختلاف ، والحكم العدل عند الافتراق ، وهو الطريق المستقيم المرشد عن الأعوجاج ، من سلكه وصل ، ومن لجأ إليه اهتدى. 11 روى الترمذي بسنده عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وكرَّم وجهه في الجنة - أنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "ستكون فِتَنٌ كقطع الليل المظلم" ، قلت : يا رسول الله ، وما المخرج منها؟ قال : "كتاب الله تبارك وتعالى ، فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا تتشعب معه الآراء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يمله الأتقياء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا : إنا سمعنا قرآنًا عجبا يهدي إلى الرشد ، من علم علمه سبق ، ومن قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به أجر ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ، خذها إليك يا أعور". وقد رواه الحارث الهمذاني برواية الترمذي ، وقد حسَّن رواية الحارث كثيرون من المحدثين ، منهم الفقيه المحدث ابن عبد البر ، وإن الذين اتهموا حارثًا فيهم نزعة أموية ، ومنهم الشعبي ، وقد قال فيه ابن عبد البر : "أظن الشعبي عوقب لقوله في الحارث الهمذاني : حدثني الحارث وكان أحد الكاذبين". وإنه في معنى هذا الحديث ما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه ؛ إذ جاء أنَّه فيما روي عنه "إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم ، إن هذا القرآن هو حبل الله والنور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة من تمسك به ، ونجاة من اتبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ، فاتلوه ، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات". وإن هذا الأخبار ومثلها كثير تدل على منزلة القرآن في الإسلام ، وأنه العصمة من الزيغ ، وأنه المرجع المتبع ، وأن يشتمل على شرائع الإسلام كلها ، وأنه بذلك هو الحكم بين الناس الذي لا يضل حكمه ، وأن من تركه من جبار قصم الله تعالى ظهره ، وأنه لا تشعب الآراء في حقيقته إذا استقامت الأفهام ، ولم تضل المدارك. والعلماء يجدون فيه المعين الذي لا ينضب ، والثروة الإسلامية التي لا تنفد ، فيه حكم الأمور كلها ما وقع ما لم يقع ، وأن كل ما فيه حق ، وأنه مصلحة الدنيا والأخرى ، ما من خبر إلَّا له في القرآن أصل معتمد ، ونص يمكن الحمل عليه ، فما ترك الله الإنسان سدًى. وقد قال تعالى وقوله الحق : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام : 38]. وفيه عبر الماضيين وأخبار كل النبيين ، فهو كتاب الله الكامل ، 12 فيه معاني كل الكتب المنزَّلة على الرسل ، وفيه أخبار أولئك الرسل مع أقوامهم ، وفيه المثلات المرشدة ، والعظات الموجهة ، وفيه أعلى الآداب الإنسانية وأقوم السلوم الكامل للخلق أجمعين ، وفيه تعليم الإنسان الاتجاه إلى الكون وتعرف ما فيه ، والأخذ بالعلم من قوادمه وخوافيه ، وفيه الدعوة إلى العلم بكل ضروبه ؛ علم الإنسان ، وعلم النفس ، وعلم الكون ، وإلى العلم بالنجوم في مسالكها ، والسماوات وأفلاكها ، والأرض في طبقاتها ، فيه الدعوة إلى العلم بما لم يعلم ، وطلبه فيكل مداراته. خاطب الله تعالى به أولياءه فعرفوه ، وأصحاب العقول المستقيمة فأدركوه ، وكان حقًّا كما قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد : 31]. ذلك هو كتاب الله تعالى بما حمل من معان وتكليف ، وما كساه الله تعالى به من روعة وتشريف ، وهو كما وصفه الله تعالى بقوله : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر : 23]. 13 | |
|
yoyo مشرفة
عدد المساهمات : 851 نقاط : 1772 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 04/11/2009 العمر : 28
| موضوع: رد: المُعْجزة الكبْرَى القرْآن الجمعة يناير 22, 2010 8:57 pm | |
| | |
|