{{ شر الناس من سال بالله ولم يجب }}
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له
وأشهد أن محمد عبده ورسوله
أما بعد
{{ شر الناس من سال بالله ولم يجب }}
" الحث على إجابة مَن سَأل بالله وذم مَن سُئل بالله ولم يجب "
أربعة أحاديث :
الحديث الأول :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ )
رواه أبو داود (رقم/1672)، وصححه النووي في " المجموع " (6/254)، والألباني في " صحيح أبي داود"
الحديث الثاني :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ : رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَتْلُوهُ : رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِيهَا .
أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ : رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ )
رواه الترمذي في " الجامع " (رقم/1652) والإمام أحمد في " المسند " (4/24) وغيرهم من طريق ( إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب وبكير بن عبد الله بن الأشج ) عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس به .
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، ويروى هذا الحديث من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي "، وفي "السلسلة الصحيحة" (رقم/255).
وهذا هو أقرب الألفاظ لما ورد في السؤال .
الحديث الثالث :
عن أبي عبيد مولى رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ )
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (22/377)
لكنه حديث ضعيف فيه علتان :
الحديث الرابع :
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ملعون من سأل بوجه الله عز وجل ، وملعون مَن سُئل بوجه الله عز وجل ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا )
رواه الروياني في " المسند " (1/327 ، رقم 495) والطبراني في " الدعاء " (ص/581)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (26/58) جميعهم من طريق عبد الله بن عياش بن عباس القتباني ، عن أبيه ، أن أبا بردة بن أبي موسى حدث يزيد بن المهلب ، أن اباه حدثه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فذكره.
وهذا إسناد ضعيف أيضا بسبب عبد الله بن عياش ، وقد سبق نقل تضعيف أبي حاتم وأبي داود والنسائي له .
ثانيا :
قواعد الشرع وأدلته الثابتة المجمع عليها تقرر أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ، وأن كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ، والله عز وجل يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) النساء/29.
لذلك ذهب عامة أهل العلم إلى تقييد الأحاديث السابقة - التي تذم مَن سُئل بالله ولم يُجِب - بقواعد الشريعة المجمع عليها ، وجمعوا بين النصوص جميعا على ضوء قواعد أصول الفقه ومقاصد الشريعة على أوجه عدة :
الوجه الأول : أن يقال بكراهة عدم إعطاء من سأل بالله ، وليس بالحرمة ، وتفسير الأحاديث السابقة بحملها على قصد الذم والتنفير ، وليس التحريم .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" يستحب إجابة من سأل بالله " "
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله :
" يكره للإنسان أن يَسأل بوجه الله غير الجنة ، وأن يمنع مَن يسأل بالله وتشفَّع به " انتهى من " مغني المحتاج " (3/122)
وجاء في " الفتاوى الهندية " الحنفية (5/318) :
" ولو قال لغيره : بالله أن تفعل كذا : لا يجب على ذلك الغير أن يأتي بذلك الفعل شرعا , وإن كان الأولى أن يأتي به "
.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :
" بعض الناس يحرجوننا بكلمة أسألك بالله أن تعطيني كذا ، أو أسألك بالله أن تبيعني كذا ، أو أسألك بالله أن تخبرني بكذا ، وفي بعض المرات نرفض تلبية طلبهم عندما لا يكون الطلب في محله ، هل الرفض رغم كلمة أسألك بالله يعرضنا للإثم ، أم أنه ليس علينا شيءٌ في ذلك، نرجو الإفادة جزاكم الله خيراً ؟
فأجاب :
إذا كان السائل لا حق له بهذا الشيء فلا حرج فيه إن شاء الله ، فإذا قال أسألك بالله أن تعطيني دارك أو تعطني سيارتك أو تعطني كذا وكذا من المال ، فهذا لا حق له .
أما إذا كان يسأل حقاً له أسألك بالله أن توصل إلي ، أسألك بالله أن تعطيني من الزكاة - وهو من أهلها - تعطيه ما تيسر ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من سأل بالله فأعطوه )، فإذا كان له حق كالفقير يسأل من الزكاة ، أو حقاً عليك له دين ، يقول : أسألك بالله أن ترد لي ديني ، أسألك بالله أن تنصرني على هذا الظالم ، وأنت تستطيع أن تنصره على الظالم ، أسألك بالله أن تعينني على كذا وكذا من إزالة المنكر : فلا بأس بهذا ، هذا أمرٌ مطلوب عليك أن تعينه وأن تستجيب له ، لأنه سأل حقاً ، والرسول - صلى الله عليه وسلم- قال : ( من سأل بالله فأعطوه ) ، أما أن يسأل شيئاً لا حق له فيه ، أو يسأل معصية : فهذا لا حق له " انتهى.
نقلا عن موقع سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله :