نور عينى
مرحبا بك يا زآئر فى موقع شا ت شات حلم حياتى ستجد معنا كل ماتحتاج واذا لم تجد اتصل بنا عن طريق الرسائل الخاصة ونحضر لك ما تريد فقط قم بالتسجيل لكي تصير معك كل مميزات المنتدى
نور عينى
مرحبا بك يا زآئر فى موقع شا ت شات حلم حياتى ستجد معنا كل ماتحتاج واذا لم تجد اتصل بنا عن طريق الرسائل الخاصة ونحضر لك ما تريد فقط قم بالتسجيل لكي تصير معك كل مميزات المنتدى
نور عينى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


دردشة نور عينى اكبر تجمع عربى خليجى
 
الرئيسيةالبوابهأحدث الصورالتسجيلدخولالتسجيلابحث

 

 المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
nour3iny
مالك ومؤسس موقع ايه من الايمان
مالك ومؤسس موقع ايه من الايمان
nour3iny


عدد الرسائل : 0
انثى
عدد المساهمات : 4057
نقاط : 8937
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 02/11/2009
العمر : 37

المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد Empty
مُساهمةموضوع: المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد   المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد Icon_minitimeالثلاثاء مارس 09, 2010 5:02 pm

المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد 11

المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد 22394385



[size=12]المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد
(39 ق. ه‍ -21 ه‍)
(582 –642م )

أبوه الوليد بن المغيرة سيد بني مخزوم، وأمه لبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين، فهو شرف بني المغيرة وسيد بني مخزوم.‏

مولده: ولد خالد بن الوليد سنة [39 ق هـ] في مكة المكرمة، وهو ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب .‏

نشأته: لم يعرف التاريخ الإسلامي وغيره قائداً حربياً فذاً ذا عبقرية نادرة، وحُنْكة بالغة، وجرأة وشجاعة فائقة مثل خالد بن الوليد (، فلم ينهزم في أي معركة خاضها مدى حياته، ومعاركُه زهاء المئة، لتميزه بعقلية نيّرة، وخبرة ميدانية حربية واسعة، يضع الخطة الحربية المحكمة، ويلحظ كل مقومات الاستراتيجية المطلوبة، ويقدر موقفه وقدراته القتالية، ويحسن موازنة قوى خصومه، ويستطلع أجواء المعركة وأسلوب المباغتة، والكر والفرّ، والرجعة والإفلات، وتوجيه الضربات الشديدة القاتلة لقلب جيش العدو، فينشر الرعب، ويحدث الهزة العنيفة، ويفتّت القوى المواجهة، ويتابع تنفيذ خطته بمهارة فائقة، ويتحكم في إدارة المعركة وتوجيهها لصالحه في ساعات قليلة حتى يندحر وتتبدد قواه في أقرب فرصة.‏

وأسباب ذلك كثيرة أولها: نشأته العربية المتينة من أبوين شهيرين قويين، فأبوه الوليد بن المغيرة المخزومي الذي كان يحلم بتقدير العرب أن يكون نبي الأمة فهو أحد عملاقين زعيمين قديرين في الوسط العربي، فقال كفارهم: (وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ( [الزخرف: 31] أي أحد سيدين عظيمين من سادات العرب: الوليد بن المغيرة من مكة، أو عروة بن مسعود الثقفي من الطائف.‏

وكان الوليد يلقب بالوحيد لاستقلاله بكسوة الكعبة المشرفة سنة، وقريش سنة أخرى، ولقب أيضاً بريحانة قريش، فهو ذو مال كثير وجاه كبير ورياسة وزعامة ، ووالد عشرة أولاد رجال، وقوي جَلْد شجاع، وأحد أجواد العرب، أعلن استعداده لمقاومة ثمانية عشر من خزنة النار، وقومه يكفونه الأخير من تسعة عشر (عَلَيْهَا تسْعَةَ عَشَرَ( [المدثر: 20] وكان يزعم بقوله: "لي قلبان أعقل في أحدهما مالا أعقل في الآخر"، فنزلت الآية في حقه: (مَا جَعلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ( [الأحزاب: 4]. ووصفه القرآن بعشر صفات صادقاً في آيات: (فلا تُطِعِ المُكذِّبِينَ..( [القلم: 8 –13] منها صفة العُتُلّ (الرجل الجاف الغليظ الشديد) حينما وصف محمداً ( كاذباً بأنه مجنون أو ساحر، ثم هدده الله بقوله حينما وصف القرآن بالسحر: (ذَرْني وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزيدَ( [المدثر: 11 –15].‏

وفي الجملة: لم ينزل في القرآن الكريم مثلما نزل في رؤساء قبيلة بني مخزوم، لتميزهم بالقوة والمنعة والصلابة، وكانت ردود القرآن عليهم قوية في سورة [ن~، والمدثر والكافرون].‏

وعمه هشام قائد بني مخزوم في حرب الفجار، وأرَّخت قريش تاريخها بوفاته، وعمه الآخر الفاكه بن المغيرة من أكرم العرب في زمانه، له بيت ضيافة مفتوح دائماً، وعمه الثالث أبو حذيفة أحد الأربعة الذين أخذوا بأطراف الرداء لوضع الحجر الأسود في موضعه من زاوية الكعبة، وكان عمه الرابع الملقّب بزاد الراكب الذي أشار في تحكيم أول داخل من باب المسجد الحرام لرفع الحجر إلى مكانه.‏

وبنو مخزوم أقوى البطون القرشية العشرة في الثراء والعدة والبأس.‏

نشأ خالد في رحال هذه الأسرة القوية والعريقة ذات المجد، فكان فتى بني مخزوم وسيدهم بعد أبيه، وشرف بني المغيرة حيث تربى في أعرق البيوت وأشرفها وأغناها، بل وألصقها بالكعبة، فقد تميز بنو مخزوم ببناء الكعبة بين الركنين الأسود واليماني.‏

وأم خالد عصماء هي: لبابة الصغرى بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين، فهو ابن أختها، وهي أيضاً أخت أم الفضل بنت الحارث أم بني العباس بن عبد المطلب وزوجة العباس، وأخت أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب .‏

إن شرف هذا النسب لخالد جعله من أشراف قريش في الجاهلية، يلي أعنة الخيل، وشهد مع المشركين حروبهم إلى عمرة الحديبية.‏

عاش خالد بحسب أرجح الروايات ستين سنة، حيث ولد عام (39 ق. ه‍) وتوفي سنة (21ه‍)، ودفن في حمص على الراجح من الروايات، ومشهده في باب حمص عليه جلالة


ويجتمع نسب بني مخزوم مع نسب الرسول ( في مُرّة بن لؤي ).‏

تدربه على الفروسية:‏

أنشأ الوليد ابنه خالداً نشأة عربية كريمة وقوية، تميزت بالشجاعة والفروسية، والجود، والنخوة، والنجدة، والشهامة، وأثرت البيئة العربية المفتوحة في تكوينه بلياقة بدنية عربية، وصحة قوية، ومهارة في الفروسية، وطعان الخصوم ومنازلتهم، والتفوق عليهم بذكاء وجرأة وخبرة عالية.‏

وتدرب خالد على أساليب القتال المختلفة، حتى صار ذا دراية متفوقة في الصراع، ومن أمثلة درايته: مصارعته المشهورة لعمر بن الخطاب وهما غلامان، فتغلب على عمر وكسر ساقه، ولا تكون المصارعة إلا بين الأنداد أو المتقاربين، حتى في السن، فعمر ولد قبل الهجرة بأربعين سنة وخالد عام (39 ق. ه‍).‏

وسبب ميله للفروسية: أنه كان لبني مخزوم أحد أشرف البطون القرشية العشرة (6): القُبَّة وهي مجتمع الجيش والأعنة، يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وهي قيادة الفرسان ‏

ومن الأسباب الواضحة أن شرف الرئاسة المخزومية انتهى على خالد بن الوليد، وقد جمعت هذه الرئاسة أصول الثقافة السياسية والعسكرية الموروثة عن العرب والعجم، وكان خالد يقود القبيلة ويدافع عن وجودها.‏

تلك القبيلة المخزومية بصفات شائعة هي حب السيطرة والنفوذ، والصرامة والشدة، والبأس والقوة، وجمع المال، والتفاخر بالثراء، والاعتزاز بالأمجاد.‏

قال ابن عبد البر: "وكان خالد أحد أشراف قريش في الجاهلية، وإليه كانت القبة والأعنة في الجاهلية" ‏

وهذه الصفات تنتقل من الأجداد والآباء إلى الأولاد بالتلقين والممارسة، وتصيد أخبار الحكماء وأبطال التاريخ في علاج المشكلات، وتخطي الأزمات.‏

أي إن إعداد خالد الحربي مصدره أمران: التزود بالثقافة العلمية الخصبة، وتنمية المهارات العسكرية الموروثة.‏

هذا بالإضافة إلى صلابته الشخصية وشدة عزيمته، فكان يشبه عمر في خَلْقه وصفته، بل كان قريباً له، من طريق أمه التي كانت قريبة لخالد، فهي قرابة أبناء العمات والأخوال.‏

عقليته النيِّرة:‏

على الرغم من حدة الصراع الذي كان بين قبيلة بني مخزوم الوثنية وبين قيادة الدعوة إلى الدين الجديد، والذي أدى إلى المصاولة المعلنة بين النبي محمد عليه الصلاة والسلام وبين خالد بن الوليد رئيس بني مخزوم، فإن خالداً عرف بالحكمة، والعقل الراجح، والتفكير في المستقبل، والموازنة بين وثنية الشرك، وعقيدة التوحيد والتمدن والحضارة.‏

فبادر عن قناعة وموازنة بين عوامل النصر والهزيمة، ومواقف الإقدام والإحجام إلى الدخول في الإسلام، إعجاباً منه بالمناقب المتميزة للنبي ( ومنها القيادة، والخلق، وقوة الشخصية، والشجاعة، والفروسية، والجود، والنخوة، والنجدة، والعدل. ومنها المناورة التي أجراها النبي في غزوة الحديبية في السنة السادسة من الهجرة، حيث دعا المسلمين إلى جهاد قريش والشهادة في سبيل الله، فبايعوه تحت شجرة الرضوان على عدم الفرار، ثم عقد الصلح مع قريش على تأجيل العمرة، وعلى وضع الحرب بين الفريقين عشر سنين. وقد سمى الله تعالى غزوة الحديبية فتحاً مبيناً في قوله: (إنَّا فتَحْنَا لَك فَتْحاً مُبِيناً( [الفتح:1] وسمي الفتح الأعظم، وكان من ثمرات صلح الحديبية: فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة.‏

وجد خالد في انضمامه إلى النبي ( آفاقاً واسعة لتحقيق النصر والمجد، ولم يجد أملاً في صف القرشيين.‏

وبعد أداء النبي ( العمرة في السنة القابلة بعد الحديبية بحسب الصلح [السنة السابعة] بزهاء شهرين، بدأ خالد في تقييم معتقداته الدينية، وكان عقله دائماً يقظاً متفتحاً؛ وشعر فجأة بأن الإسلام هو الدين الحق.‏

وترجح لديه الدخول في الإسلام، فقابل عكرمة بن أبي جهل وآخرين وقال لهم بما معناه:‏

"من الواضح للعقل النير أن محمداً ليس شاعراً ولا ساحراً، كما تزعم قريش، ورسالته من عند الله، وعلى كل ذي بصيرة أن يتبعه". فصعق عكرمة لكلمات خالد وقال: "هل ستتخلى عن دنينا‍!".‏

فقال خالد: "قررت أن أؤمن بالله الحقيقي". فأنكر عكرمة عليه ذلك، فأجابه خالد:‏

"إنها مسألة جهل".‏

وكذلك غضب أبو سفيان زعيم قريش لما سمع عن إسلام خالد، "أصحيح ما سمعت؟" فقال خالد: "وما سمعت؟" قال أبو سفيان: "بأنك ترغب في الانضمام إلى محمد" فقال خالد: "نعم، ولم لا، فمحمد واحد منا وقريبنا".‏

فهدد أبو سفيان خالداً بالعقاب، فهدَّأه عكرمة قائلاً: "اهدأ يا أبا سفيان، فإن غضبك سيقودني أيضاً للانضمام إلى محمد، فخالد حر في أن يختار الدين الذي يرغبه" ‏

وفي الليلة ذاتها أخذ خالد درعه وسلاحه وفرسه، وانطلق إلى المدينة مهاجراً مسلماً في صفر سنة ثمان ، فقابل في الطريق عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة اللذين توجها إلى المدينة للغاية نفسها فوصل الثلاثة إلى المدينة في الأول من صفر عام 8ه‍ /31 أيار (مايو) عام (629م) في الهدنة بعد الحديبية بين النبي ( وبين قريش، وذهبوا إلى منزل الرسول (، فأسلم خالد أولاً طوعاً، ثم تبعه عمرو، ثم عثمان.‏

وقيل: إنه أسلم يوم الأحزاب (وقعة الخندق) فقد جاء في الحديث: [أنه شهد خيبر، وكانت خيبر في أول سنة سبع أو سنة ست].‏

فرحب بهم النبي (، وصفح عن عداوتهم السابقة، وكان ذلك نصراً بارزاً للإسلام، لأن خالداً وعمرو بن العاص كانا ألمع عقلين عسكريين في زمانهما.‏

قال خالد ذاته معبراً عن قصة إسلامه ومبيناً تأثير أخيه الوليد فيه وتأثير تشجيع النبي ( إياه على الإسلام: "لما أراد الله بي ما أراد من الخير، قذف في قلبي الإسلام وحضرني رشدي، فقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد (، فليس في موطن أشهده إلا أنصرف، وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء، وأن محمداً سيظهر".‏

فلما صالح محمد قريشاً بالحديبية، ودافعته قريش بالرواح قلت في نفسي: أي شيء بقي؟‏

أين أذهب إلى النجاشي! فقد اتبع محمداً، وأصحابه آمنون، فأخرجُ إلى هرقل، فأخرج من ديني على نصرانية أو يهودية، فأقيم في عجم، فأقيم في داري بمن بقي!! فأنا في ذلك إذ دخل رسول الله ( مكة في عمرة القضية، فتغيبت ولم أشهد دخوله. وكان أخي الوليد بن الوليد، قد دخل مع النبي ( في عمرة القضية، فطلبني فلم يجدني، فكتب إلي كتاباً، فإذا فيه:‏

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك! ومثل الإسلام جهله أحد؟ وقد سألني رسول الله ( عنك وقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به، فقال: [مثله جَهِل الإسلام؟ ولو كان جعل نكايته وجِدّه مع المسلمين، كان خيراً له، ولقدمناه على غيره].‏

فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة. قال خالد: فلما جاءني كتابه، نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرني سؤال رسول الله ( عني، وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة، فخرجت في بلاد خضراء واسعة، فقلت: إن هذه لرؤيا، فلما أن قدمت المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر فقال:‏

مخرجك: الذي هداك الله للإسلام، والضيق: الذي كنت فيه من الشرك. قال خالد: فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله (؟ قلت: من أصاحب إلى رسول الله (؟ فلقيت صفوان بن أمية (وهو زعيم قرشي) فقلت:: يا أبا وهب، أما ترى ما نحن فيه، إنما نحن كأضراس، وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد واتبعناه، فإن شرف محمد لنا شرف؟‏

فأبى أشد الإباء، وقال: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبداً، فافترقنا وقلت: هذا رجل قتل أخوه وأبوه ببدر.‏

وحين لقي خالد النبي مع عمر وعثمان، سلّم عليه بالنبوة، فرد عليه السلام بوجه طَلْق، فقلت:‏

إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، فقال النبي: [الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير].‏

قلت: يا رسول الله، إني قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معانداً للحق، فادعُ الله أن يغفرها لي، فقال رسول الله (: [الإسلام يجبّ ما كان قبله].‏

قال خالد: والله ما كان رسول الله ( يعدل بي أحداً من أصحابه فيما حزبه".‏

هذه المحاكمة العقلية عند خالد في قضية إسلامه، وتفرّس النبي به ورؤيته أن له عقلاً راجحاً، يدل ذلك وغيره على أن خالداً كان يتميز بالعقلية النيِّرة، وبالآراء السديدة والرشيدة، قال عنه المؤرخون: "كان خالد من أمدّ الرجال بصراً" أي أنه كان نافذ البصيرة وصادق الإلهام.‏

ملامح التفوق العسكري وأهلية القيادة عند خالد:‏

وجد خالد في الإسلام ما يحقق ظمأ نفسه إلى القيادة، وتحقيق المجد والنصر والاستعلاء، وأدرك النبي وصحابته مدى كفاءة خالد العسكرية، فأمّروه عدة إمارات كان فيها ناجحاً منتصراً، فصار في مظلة الإسلام سيف الله تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، والسيد الإمام الأمير الكبير، قائد المجاهدين روى الإمام أحمد والحاكم والطبراني أن أبا بكر عقد لخالد على قتال أهل الردة، وقال: إني سمعت رسول الله ( يقول: [خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلَّه الله على الكفار والمنافقين].‏

أمّره النبي ( بعض الإمارات وقيادة السرايا، وبعثه إلى تحطيم صنم العزى التي كانت القبيلة هوازن، وكان سُلّيم سدنتها، وقال له: [انطلق، فإنه يخرج عليك امرأة شديدة السواد، لويلةُ الشعر، عظيمة الثديين، قصيرة] فشدّ عليها خالد، فقتلها وقالت: "ذهبت العُزّى، فلا عُزّى بعد اليوم" وحطم اللات والعُزّى قائلاً:‏

يا ((عُزّ)) كفرانكِ لا سبحانك‏

إني رأيت الله قد أهانك ‏

وبعث النبي ( أيضاً خالداً إلى نبي جَذيمة، فقتَل وأسر، فرفع النبي ( يديه، وقال:‏

[اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد] مرتين.‏

وفي موقعة مؤتة حين دبر أمر التراجع أمام جيش الروم اعتبره النبي ( نصراً، ولقّبه النبي بأنه سيف من سيوف الله سله الله على المشركين، فهو سيف من سيوف الله ونعم فتى العشيرة.‏

قال عمرو بن العاص فيما رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات: "ما عدل بي‏

رسول الله(، وبخالد أحداً في حربه منذ أسلمناه".‏

وولاّه أبو بكر الصديق على قيادة حروب الردة في نجد من بني تميم وغيرهم فأوقع بأهل الردة في البُطاح (منزل لبني يربوع)، وقتل مالك بن نُويرة، ثم أوقع بأهل بُزَاخة لشتمهم النبي ( وإصرارهم على ردتهم، ثم مضى إلى اليمامة، فقاتل بها مُسَيلمة الكذاب وبني حنيفة حتى قُتل مسيلمة، وصال خالد أهل اليمامة على الصفراء والبيضاء والحَلْقة والكُراع . وكان أبرز أعماله في قتال المرتدين قتله مالك بن نويرة ثم سيره أبو بكر إلى العراق سنة (12ه‍)، ففتح الحيرة وجانباً عظيماً منها.‏

ولما فرغ خالد من اليمامة، جاءه كتاب من أبي بكر يأمره بالمسير على الشام، فأمرّه أبو بكر على سائر أمراء الأجناد، فمضى خالد على وجهه، فسلك عين التمر ، ومرَّ بدُومة الجندل ، فأغار على رجالهم، فقتل بعضهم وهزمهم الله، وحاصر دمشق، فافتتحها هو وأبوه عبيدة بن الجراح ‏

قال عنه أبو بكر رضي الله عنه: "عجزت النساء أن يلدن مثل خالد".‏

عزلـه عمر رضي الله عنه عن قيادة الجيوش بالشام، وولى أبا عبيدة بن الجراح، فلم يثن ذلك من عزمه، واستمر يقاتل بين يدي أبي عبيدة إلى أن تم لهما الفتح سنة (14ه‍)، فرحل إلى المدينة، فدعاه عمر ليوليه، فأبى.‏

ولم يكن عزل عمر له خوفاً منه كما يزعم بعض المستشرقين، وإنما لأحد سببين ؛‏

الأول –ما قاله ابن عون: "ولي عمر: فقال: لأنزعن خالداً حتى يعلم أن الله إنما ينصر دينه، يعني بغير خالد".‏

الثاني –شدته في القتال، فإن عمر طلب من أبي بكر عزله لما فعله في محاربة المرتدين، وقال: "إن في سيفه لرهقاً" أي شدة، فقال أبو بكر: "لا يا عمر، لم أكن لأشيم (23) سيفاً سلّه الله على الكافرين". وفي رأي آخر، قال علي لعمر: "فلم عزلته؟ قال: عزلتُه لبذله المال لأهل الشرف وذوي اللسان، قال: فكنت عزلته عن المال، وتتركه على الجند؟ قال: لم يكن ليرضى، قال: فهلا بلوته؟ أي اختبرته" ‏

ثم ندم عمر على عزله، قال نافع: "لما مات خالد لم يدع إلا فرسه وسلاحه وغلامه، فقال عمر: رحم الله أبا سليمان، كان على غير ما ظنناه به" ‏

لقد كان خالد متحلياً بأعلى مقومات القيادة العسكرية، سواء في وضع الخطة الحربية، والعلم بأصول الاستطلاع، وتنظيم الجيش في مواقفه وحركاته، فكان يقسم الجيش على خمسة أقسام:‏

المقدمة والساقة أي المؤخرة والميمنة والميسرة والقلب.‏

وكان له الدور البارز في التخلص من عدوان دولتي الفرس والروم اللتين كانتا تحتقر البادية العربية وأهلها، فاستخف الفرس بطلائع وقعة (أُليّس) ولم يحفلوا بجيش خالد الزاحف إليهم، حتى هزموا، كما هزم خالد الروم في وقعة اليرموك وفتح دمشق سنة (14ه‍).‏

والحقيقة أن الهزيمة الفارسية والرومانية كانت بسبب كون المسلمين بقيادة خالد أو غيره أخبر بالفنون العسكرية من أهل فارس والروم، وكانوا أقدر على تنفيذ الخطط العسكرية التي تنفعهم وتوقع الهزيمة بقادة هاتين الدولتين.‏

فالصحراء العربية شهدت معارك ضارية امتدت ثلاثين أو أربعين سنة كحرب داحس والغبراء، وحروب الزير المهلهل بين أبناء العمومة في قبيلة بني مُرّة وحروب القحطانيين والسبئيين، وتعاقبت الأجيال فيها على حروب العصابات بين القبائل المختلفة، فلا يستخف بها كما يتوهم الروم والفرس وغيرهم، فإن هذه العصابات مع طول المرانة كانت على علم بأصول الاستطلاع والمباغته والتبييت والمخاتلة وحسبان الحساب للرجعة والإفلات، وهي على بساطتها لا تستغني عنها أكبر الميادين وأصغرها على السواء .‏

تدينه وورعه وتقواه وإخلاصه:‏

كان إيمان خالد بالإسلام طوعاً لا كرهاً، وبقناعة وبعد محاكمة وتأمل وتفكير، مما جعل إيمانه بالدين الجديد صلباً وقوياً جداً، كصلابة شخصيته وحزمه وعزمه وكونه قائداً حربياً فذاً.‏

ومن أمارات قوة إيمان:‏

جرأته في تحطيم الأصنام ومنها اللات والعزى، ومنها تجرعه السم، فلم يضره ثقة بالله تعالى، قال قيس بن أبي حازم: "سمعت خالداً يقول: منعني الجهاد كثيراً من القراءة" (27)، ورأيتُه أتي بسُمّ، ما هذا؟ قالوا: سُمٌ، باسم الله، وشربه. قلت: هذه والله لكرامة، وهذه الشجاعة (28).‏

وعن أبي السفر قال: "نزل خالد بن الوليد الحيرة على أم بني المرازبة، فقالوا: احذروا السُّم، لا تَسْقِك الأعاجم، فقال: ائتوني به، فاقتحمه وقال: باسم الله، فلم يَضرَّه" (29).‏

وعن خثيمة قال: "أُتي خالد بن الوليد برجل معه زِقّ خمر، فقال اللهم اجعله عسلاً، فصار عسلاً".‏

ومن علائم تقواه:‏

ما روي عن قيس قال: "طلَّق خالد بن الوليد امرأة، فكلموه فقال: لم يصبها عندي مصيبة ولا بلاء ولا مرض، فرابني ذلك منها" ‏

ومن مظاهر إخلاصه وتفانيه في إرضاء الله تعالى أنه بعد عزل عمر له أثناء فتح دمشق، استمر مقاتلاً قتال الأبطال، ولم يؤثر فيه العزل شيئاً.‏

وقال خالد نفسه مبيناً محبته الجهاد في سبيل الله:‏

"ما من ليلة يُهدى إلي فيها عروس أنا لها محب أحبَّ إلي من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد، في سرية أُصبِّح فيها العدو" ‏

وعن أبي الزناد أن خالداً لما احتضر بكى، وقال: "لقيت كذا وكذا زحفاً (زهاء مائة) وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير ، فلا نامت أعين الجبناء" فهذا يدل على حبه الشهادة في قلب المعركة.‏

ومما يدل على زهده في الدنيا ما قاله نافع: "لما مات خالد لم يدع إلا فرسه وسلاحه وغلامه، فقال عمر: رحم الله أبا سليمان، كان على غير ما ظنناه به" ‏

ومن علائم إخلاصه:‏

محبة المسلمين له وإعجابهم به في عصره وعلى مدى التاريخ الإنساني والإسلامي، فاشتد بكاء المسلمين ولا سيما قرابته عليه حين موته، ومن ظواهر هذا البكاء والألم:‏

ما رواه عاصم بن بهدلة عن أبي وائل وقال: "لما حضرت خالداً الوفاة قال:‏

لقد طلبت القتل مظانّه، فلم يقدَّر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتها وأنا متترس، والسماء تهلّني، ننتظر الصبح حتى نُغير على الكفار. ثم قال: إذا متُّ فانظروا إلى سلاحي وفرسي، فاجعلوه عُدَّة في سبيل الله. فلما توفي، خرج عمر على جنازته، فذكر قوله: ما على آل الوليد أن يَسْفحن على خالد من دموعهن، ما لم يكن نقعاً، أو لقلقة" ‏

وعن أبي وائل أيضاً قال: "اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يَبكينه، فقال عمر:‏

ما عليهن أن يرقن من دموعهن ما لم يكن نقعاً أو لقلقة"

ثقافته:‏

إن مصدر المعرفة الدينية والتاريخية والأخلاقية في عهد النبوة هو الوحي الإلهي عبر النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى أساسه قامت مدرسة تربوية ناجحة وعالية لأصحاب النبي، يتمثل ذلك في هدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وكان خط خالد بن الوليد من هذا الهدي كافياً في تكوينه، روى له البخاري ومسلم (18) حديثاً، وله أخبار كثيرة ذكر ابن عساكر جملة منها ‏

وطغت عليه ثقافته العسكرية المتفوقة، ولكن هل تفوّق هذه الثقافة يكون من غير روافد أخرى تكونها وتنميها؟! إن عبقرية خالد الحربية ونجاحه في جميع المعارك التي خاضها دليل واضح على عقلية نيرة، ومعرفة علمية وافرة بفنون الحرب وطبائع النفوس والمواقع الجغرافية لشبه الجزيرة العربية وما جاورها، حتى تمكن من وضع استراتيجية محكمة طوق بها أعداءه وألحق بهم الهزيمة المنكرة.‏

ولقد دربه أبوه –كما سبق –على فنون القتال وأنواع الفروسية وأضاف إليها بمهارته الشيء الكثير من التطوير والتنوع والابتكار والتجديد.‏


أمثلة من بطولات خالد وعبقريته العسكرية:‏

خاض خالد زهاء مائة زحف، لم تنتكس له راية فيها في جاهلية ولا إسلام، فكان هو المنتصر، لما تميز به من بطولة خارقة، وحكمة وشجاعة، ومهارة وخبرة، وقدرة على تفويت الفرصة على عدوه من الانقضاض على جيشه. وتفاوتت معاركه، فمنها المعارك أو المهام الصغيرة، ومنها المعارك الكبيرة الحاسمة والخالدة في التاريخ الإسلامي ضد الفرس والروم في العراق والشام وفي بقاع شبه الجزيرة العربية.‏

وللموضوع بقية تابعونا



[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nour3iny
مالك ومؤسس موقع ايه من الايمان
مالك ومؤسس موقع ايه من الايمان
nour3iny


عدد الرسائل : 0
انثى
عدد المساهمات : 4057
نقاط : 8937
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 02/11/2009
العمر : 37

المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد   المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد Icon_minitimeالثلاثاء مارس 09, 2010 5:03 pm


[size=12]وهذه أمثلة من معاركه:‏

1-معركة أحد: في السنة الثالثة من الهجرة يوم السبت (15 من شوال) وقعت معركة أحد، بتصميم من مشركي قريش على أخذ الثأر والانتقام من انتصار المسلمين عليهم في معركة بدر (يوم الفرقان) في السنة الثانية من الهجرة، وكان عدد جيش القرشيين ثلاثة آلاف، بينهم سبعمائة دارع، ومعهم ثلاثة آلاف بعير، ومائتا فرس، وخمس عشرة امرأة قرشية في هودج بقيادة هند لتقوية معنويات القرشيين، وعدد من النساء يحملن الدُّف والطبول.‏

وكان عدد المسلمين في مبدأ الأمر ألفاً، وبقوا سبعمائة رجل فحسب، بعد انخذال عبد الله بن أُبي بن سلول عنهم، ومعه ثلاثمائة من المنافقين‏

نظم النبي ( مواقع جيشه وتعبئة جنوده، وجعل ظهره لجبل أحد ووجهه للمشركين وجعل على كل فرقة منه قائداً، واختار خمسين من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير الأنصاري لحماية ظهر المسلمين من التفاف المشركين وراءهم، وقال لهم: [احموا ظهورنا، لا يأتونا من خلفنا، وارشقوهم بالنبل، فإن الخيل لا تقوى على النبل، إنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم، اللهم إني أشهدك عليهم... وإن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هَزَمنا القوم أو ظاهرناهم وهم قتلى فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم].‏

انتصر المسلمون في مبدأ القتال، وانهزم الأعداء، فبادروا إلى أخذ غنائم المشركين وتركوا أمكنتهم، فانكشف ظهر المسلمين، وأجابوا رئيسهم عبد الله بن جبير الذي حذرهم من ترك موقعهم، فقالوا: إن الحرب قد انتهت، ولا حاجة للبقاء حيث هم.‏

وكان خالد بن الوليد على ميمنة جيش المشركين، فرأى فراغ خلفية جيش المسلمين، فكرّ عليهم من خلفهم، وأعمل فيهم القتل بالسيوف، فاضطربوا، وأشيع أن الرسول قد قتل وعاد بعض المسلمين إلى المدينة، وحاول المشركون قتل الرسول (، فثبت مكانه مع نفر من المؤمنين كأبي دُجانة وسعد بن أبي وقاص، ونسيبة أم عمارة الأنصارية التي تركت سقاية الجرحى، وأخذت تقاتل بالسيف، وترمي النبل، دفاعاً عن رسول الله (، فجرحت يومئذ اثني عشر جرحاً، وأعيد تجميع قوات المسلمين في أحد، وتراجعوا إلى مواقع حصينة في جبل أحد، لحماية انسحابهم دون خسارة كبيرة، وانصرف المشركون بعد أن صدّق أكثرهم إشاعة مقتل النبي ومنهم أبو سفيان القائد العام، ورأوا أن الهزيمة كانت تامة، وانتهت المعركة، وقال أبو سفيان: "يوم بيوم بدر" ‏

وكان خالد سبب النصر، حيث فطن للحيلة الحربية، مع شدة مناوشة السيوف، فبلغ عدد قتلى المسلمين سبعين، وقتلى المشركين ثلاثة وعشرين.‏

2-غزوة الأحزاب (الخندق):

وقعت هذه الغزوة في شوال من السنة الخامسة للهجرة، كان جيش المشركين عشرة آلاف، وعدة المسلمين ثلاثة آلاف، شارك في جيش أهل الشرك: اليهود (من بني النضير وبني قريظة) وقريش بقيادة أبي سفيان، وقبيلة غَطَفان (أشجع وبني فزارة وبني مُرِّة) بقيادة عُيَيْنة بن حصن، وأمر الرسول ( بحفر خندق حول المدينة أخذاً بمشورة سلمان الفارسي.‏

فحاصر المشركون المدينة بضعة عشر يوماً، فلم يتمكنوا من تحقيق هدفهم وهو استئصال المسلمين، لأسباب:‏

أولها- صمود المسلمين ورفضهم اقتراح الصلح مع قائدي غطفان على ثلث ثمار المدينة.‏

ثانيها- قتل الإمام علي ( وهو فتى عمرو بن وُدّ العامري الذي اقتحم الخندق بحصانه الأصيل، بعد أن نزل عن فرسه، فعقره علي وضرب وجهه، ثم تنازلا وتجاولا، فقتله علي ).‏

ثالثها- تفريق نعيم بن مسعود بين المشركين ويهود بني قريظة بزرع الفتنة بينهم، حيث طالبهم ألا يقاتل هؤلاء اليهود مع قريش إلا برهائن تسعين من رجالهم، وهم لم يعلموا بإسلام نعيم.‏

رابعها- إرسال ريح باردة في ليلة شديدة البرد شاتية على جيش المشركين بقيادة أبي سفيان، فكفأت قدورهم مزّقت خيامهم، وانتشر الرعب بينهم (39)، فرحلوا على الرغم من مصاولات خالد بن الوليد.‏

فقد كان خالد يطوف بخيله حول الخندق يلتمس مضيقاً يقحم منه الخيل، فأعياه. وكان هو الموكل بالنبي عليه الصلاة والسلام في كتيبة كثيفة من خيل قريش، فاندفع يقاتل سحابة النهار وهزيعاً من الليل، إلى أن تحاجز الفريقان، وارتد المشركون منهزمين. وارتد خالد بعد يلتمس الغرة، وكاد أن يظفر بها، لولا حرس من المسلمين بقيادة أسيد بن حُضَير تنبَّه له وفوت عليه غرضه، وانتهى القتال، وهو لا يزال على الطلب والطواف، ثم لبث هو وعمرو بن العاص على ساقة الجيش في مائتي فارس ردءاً للجيش كله، مخافة أن يتعقبه المسلمون ‏

3-غزوة الحديبية:‏

حدثت هذه الغزوة في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وفيها تصدى خالد مرة أخرى للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو معتمر في طريقه إلى مكة، في نحو ألف وخمسمائة من المسلمين، لا يحملون سلاحاً غير السيوف في القُرُب، وكان مع خالد مائتا فارس قبل بلوغ مكة؛ وهمَّ خالد بعد أن صلى الرسول ( بأصحابه العصر صلاة الخوف أن يغير عليهم لولا نخوة من الفروسية، ردّته مع فرسانه خائبين، قال خالد واصفاً ذلك بعد إسلامه:‏

"همسنا أن نغير عليهم، ثم لم يُعزم لنا، وكان فيه خيرة، فاطلع على ما أنفسنا من الهجوم به، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف، فوقع ذلك مني موقعاً، وقلت: الرجل ممنوع" ‏

4-موقعة مؤته:‏

وقعت في جمادى الأولى في السنة الثامنة من الهجرة، ومؤتة هي الآن في شرق الأردن في أرض البلقاء من أرض الشام، وهي أول موقعة خارج الجزيرة العربية، وكان عدد جيش المسلمين نحواً من ثلاثة آلاف بقيادة زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل جعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة (42).‏

وكان عدد جيش الروم زهاء مئة ألف كما في سيرة ابن هشام وغيره، والظاهر أن العدد لا يزيد عن عشرين ألفاً، وانضم إليهم من قبائل العرب: لخم وجُذَام والقيْن وبهراء.‏

التقى الجيشان، وقتل القادة المسلمون الثلاثة، فأخذ الراية ثابت بن الأقرم أخو بني العَجْلان، فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم، وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه ، حتى انصرف بالناس.‏

وكان اشتراك خالد في هذه الموقعة بعد ثلاثة أشهر من إسلامه. وقد استطاع بموهبته العسكرية أن ينسحب بعد مناورة في تغيير تعبئة الجيش، فظن الروم أن المسلمين قد جاءهم مدد، فانسحبوا، وعدّ النبي ( هذا الانسحاب الإسلامي نصراً حربياً مؤزراً، حمى به خالد الجيش، فإنهم بعد عودتهم إلى المدينة المنورة استقبلهم الناس قائلين: أنتم الفُرّار، فقال النبي (: [بل أنتم الكُرّار، وأنا لكم فئة].‏

وعرف خالد بعد هذه الموقعة بأنه سيف الله كما لقبه النبي (، روى البخاري عن أنس بن مالك (: [أن رسول الله ( نعى زيداً وجعفراً وابن رَوَاحة للناس قبل أن يأتيهم خبر، فقال:‏

أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم] أو ((ففتح الله عليه)).‏

وروى البخاري أيضاً عن عبد الله بن عمر، قال: [أمّر رسول الله ( في غزوة مؤته زيد بن حارثة، فقال رسول الله (: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلى، ووجدنا في جسده بضعاً وتسعين من ضربة ورمية].‏

5-فتح مكة:‏

حدث فتح مكة في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة. وكان عدد جيش المسلمين حين خروجهم من المدينة عشرة آلاف، ثم انضم إليهم في الطريق عدد من قبائل العرب.‏

وفي (مَرَّ الظهران) أسر المسلمون أبا سفيان واثنين معه، فأسلم أبو سفيان، والتقى الرسول ( عمه العباس مسلماً مهاجراً إلى المدينة، فقال النبي: "إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً يفتخر به"، فقال: [من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن].‏

كان فتح مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان لنقض أهلها العهد الذي وقع بالحديبية، وللفقهاء، رأيان في صفة فتحها، يرى الشافعية أن مكة فتحت صلحاً ويرى جمهور العلماء أنها فتحت عنوة أي قهراً

من براهين الجمهور: أن أبا سفيان قال للنبي (: "أبيدت خضراء قريش" وأن خالد بن الوليد قتل في أسفل مكة بضع عشرة نفساً، وقيل: سبعين من قريش، حتى انهزموا حينما بعثه رسول الله، والزبير، كل من ناحية في نواحي مكة، وقال لهما: [لا تقاتلا إلا من قاتلكما] بأسفل مكة، قاتلهم فهزمهم الله عز وجل، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك ‏

ومن أدلة الشافعية: أنه لو كان فتح مكة عنوة، لقسمت غنائمها من عقار ومنقول، وتملكها الغانمون، مع أن النبي ( لم يفعل ذلك، وإنما دخلها ( متأهباً لقتال، خوفاً من غدرهم ونقضهم للصلح الذي بينه وبين أبي سفيان قبل دخولها.‏

قال ابن عبد البر: "لم يصح لخالد بن الوليد مشهد مع رسول الله ( قبل الفتح (فتح مكة)" ‏

6- غزوة هوازن يوم حنين:‏

كانت في العاشر أو الخامس من شوال سنة ثمانٍ من الهجرة، وكان عدد المقاتلين من قبائل همدان (هوازن وثقيف وجُشَم) ما بين عشرين إلى ثلاثين ألفاً، بقيادة مالك بن عوف النصري الشاب في نحو الثلاثين، وعدد المسلمين اثنا عشر ألفاً، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وألفان من أهل مكة.‏

وأسند النبي ( إلى خالد بن الوليد قيادة الخيل إليه على طليعة الجيش، ثم سأل عنه بعد هزيمة في مبدأ الأمر عند اشتباك الجمعين. وكان مع خالد مائة فارس من بني سليم.‏

كانت هذه الموقعة من أكبر المواقع أو المعارك الإسلامية، أعجب المسلمون بكثرتهم، فلم يكترثوا بعدوهم، فقال أبو بكر الصديق أو غيره: "لن نغلب اليوم من قلة!" وعبر القرآن الكريم عن هذا في قوله تعالى: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) [التوبة 25].‏

فوجئ المسلمون بهجمة الأعداء المكثفة بكمين شدوا فيه شدة رجل واحد، عند صلاة الصبح، فردهم المسلمون على أعقابهم، ثم انشغلوا بجمع الغنائم كما حدث في معركة أحد، فاستقبلهم المشركون بالسهام، ففرقوا جموعهم، وفر أهل مكة وبقي رسول الله ( ثابتاً على بغلته يقول:‏

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب‏

وكان أبو سفيان آخذاً بركاب رسول الله ‏

وأشيع بين المسلمين كما في أحد تماماً أن النبي ( قد قتل، ولكن ثبت معه نفر من المسلمين المهاجرين والأنصار، ونادى العباس بصوته الجهوري في المسلمين: "إن رسول الله لا يزال حياً" ونادى رسول الله ( ذات اليمين قائلاً: [أين أيها الناس؟ هلموا إلي أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله] فعاد إليه المدبرون، فقاتلوا بشدة وبأس وقال النبي ( حينئذٍ: [الآن حمي الوطيس] وانتصروا كرة أخرى، وغنموا غنائم كثيرة، وفر قائد المشركين مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف مع أناس من أشراف قومه، وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة حين رأوا نصر الله ورسوله وإعزازه دينه ‏

قال ابن إسحاق: "فلما انهزمت هوازن، استحر القتل من ثقيف في بني مالك فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم التي كانت مع ذي الخمار".‏

وقتل رجل من بني كبة يقال له الجلاح، فقال رسول الله ( حين بلغه قتل الجلاح:‏

[قتل اليوم سيد شباب ثقيف إلا ما كان من ابن هنيدة] يعني الحارث بن أويس.‏

وذكر ابن إسحاق أن رسول الله ( مرّ يومئذ بامرأة قتلها خالد بن الوليد، والناس متقصفون عليها ) فقال لبعض أصحابه: [أدرك خالداً فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً] أي أجيراً.‏

وظل خالد في هذه الموقعة يقاتل مثقلاً بالجراح، لا يقوى على السير من مؤخرة رحله، فبارك له النبي (، وواساه. أما الهزيمة بعد الهجمة الأولى فكانت بسبب المباغتة والكمين، لم يكن لخالد يد فيها ولا طاقة باتقائها، والحرب دائماً كر وفرّ، ونصر وهزيمة، ولم يكن له تدبير ومشيئة.‏

وكان خالد على مقدمة رسول الله ( يوم حنين في بني سليم ‏

7-موقعة خيبر:‏

كانت في أواخر المحرم للسنة السابعة من الهجرة، وخيبر كانت مسكن اليهود على مسافة مائة ميل من شمال المدينة المنورة. وكان فيها نحو من عشرة آلاف مقاتل، وعندهم كميات كبيرة من السلاح والعتاد، وكانوا أهل مكر وخداع.‏

ذكر بعض المؤرخين أن خالد بن الوليد شهد خيبر، والواقع خلافه، قال الواقدي (54): "الثابت عندنا أن خالداً لم يشهد خيبر، وأسلم قبل الفتح –فتح مكة –هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة أول يوم من صفر سنة ثمان" ‏

8-غزوة تبوك أو غزوة العسرة:‏

كانت في رجب سنة تسع من الهجرة، وتبوك: بلد شمال الحجاز على طريق الشام. سار إليها المسلمون في أعظم جيش (30 ألف مقاتل) في الصيف لمواجهة الروم الذين جمعوا جموعاً كثيرة بالشام، ضمت من نصارى العرب قبائل لخم وجذام وعاملة وغسان. وكان من المسلمين عشرة آلاف من الخيل.‏

أمر النبي ( خالد بن الوليد بالذهاب إلى أكيدر دومة، ليأتيه به، فاقتحم الحصن في أربعمائة وعشرين فارساً، واستسلم الأمير ومن فيه، وصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله.‏

وتخلف عنها المنافقون قائلين: لا تنفروا في الحر، زهداً في الجهاد، وشكاً في الحق، وإرجافاً بين المسلمين. وكان أبو بكر الصديق أمير المهاجرين وخالد بن الوليد أمير الأعراب في غزوة دومة الجندل.‏

وجاء جماعة من الأنصار وهم سبعة نفر إلى رسول الله ( وهم البكاؤون، وطلبوا تزويدهم بالسلاح، وكانوا أهل حاجة، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون.‏

واصل خالد حملته حتى وصل تبوك، فأقام فيها نحواً من عشرين ليلة، ولم يلق فيها كيداً، ولم يدخل حرباً.‏

وكانت هذه آخر غزواته (، بعد أن أقام بضع عشرة ليلة، ثم انصرف قافلاً إلى المدينة المنورة ‏

8-فتوح العراق والشام:‏

في سبع سنين فتح العرب المسلمون بلاد العراق والشام (57)، وقضوا على دولتي الفرس والروم، وكانت هيبة خالد أمام أعدائه سابقة لسيفه وحربه، فاختاره الخليفة أبو بكر ( لهذه المهمة الصعبة. وهي لقاء الفرس والروم بعد سنة واحدة من وفاة النبي (، وبعد حروب الجزيرة العربية عدة سنين، وكان الفرس قد تلقوا ضربة الهزيمة في ((ذي قار)) يد العرب قبل الإسلام، وتقدم جند خالد بن الوليد في سواد العراق لمنازلة الفرس.‏

وكان المغيرة بن شعبة قد جلس على سرير رُسْتم بطل الفرس المشهور وأنذره بأنهم مغلوبون، وانتصر أبو عبيدة في وقعة الجسر على الفرس بقيادة ((بهْمَن جاذويه)) ومعه راية الفرس الكبرى من جلود النمور، ومعه جيش يفوق جيش المسلمين مرات.‏

اختار أبو بكر لحرب الفرس عياض بن غَنْم مع خالد بن الوليد، وأمر خالداً أن يتجه إلى الإبلة ثغر الهند، وأمر عياضاً أن يتجه إلى المُصَيَّخ شمال العراق، فأيهما بلغ الحيرة قبل الآخر، كان هو قائد الجيشين معاً، ثم أمدهما بالقعقاع بن عمرو التميمي الذي عرف بأنه لا يهزم جيش فيهم مثله، فشارك في القتال تحت مظلة جيش يقوده خالد بن الوليد. بلغ قرابة عشرة آلاف، عدا جيش المثنّى بن حارثة البالغ ثمانية آلاف.‏

والتقى جيش خالد مع جيش ((هُرمز)) القائد الفارسي الذي بدأ بالمنازلة بين القائدين، فصرعه خالد في الجولة الأولى، وانقض القعقاع مع جيش المسلمين، فهزموا جيش هرمز.‏

اتجه خالد إلى العراق أوائل سنة (12ه‍)، وحقق انتصاراته على الفرس خلال سنة واحدة، لم يهزم في معركة واحدة، ولم يقع في خديعة أو قلة أهبة، وكان أبداً كما وصفه عمرو بن العاص "في أناة القطاة ووثبة الأسد" فلا يهمل الحيطة، ولا يعتمد على الشجاعة وحدها دون الحزم والحيلة، وكان يحارب بثمانية عشر ألفاً، وكأنه يحارب بخمسة أضعاف هؤلاء، وكانت تعبئة جيشه بحسب عرف أيامه وهي قسمة الجيش إلى ميمنة، وميسرة، وقلب، وطليعة سابقة، وردء لحماية المؤخرة، يقاتل مرة بالصفوف ومرة بالكراديس ، ويواجه خصمه أو يدور عليه، ويتراجع أمامه أو يهاجمه، ويحصره أو يمكن‍ّه من الهرب حسب ظروف المعركة.‏

حينما صارت القيادة لخالد على فتح بلاد فارس، أرسل جيشه على فرق ثلاث، قدم المثنى على رأس فرقه، ثم ألحق به عدي بن حاتم صاحبه في حرب بني أسد، ثم لحق بهم على رأس جيشه، وواعدهم موضعاً هو الجنوب الغربي من البصرة الآن.‏

والتقى بجيوش الفرس بقيادة ((هُرْمز)) في وقعة ذات السلاسل ، فهزم الفرس، وتعقب المثنى بن حارثة جيش هرمز، وعبر الفرات قبل أن تتجمع فلوله، وقتل هرمز وتفرق جيشه، فتجمع الفرس في ((المدائن)) عاصمة ملكهم، وحشدوا جيشاً عظيماً بقيادة ((قارن بن قريانس)) ومعاونة أميرين من بيت أردشير، وأدرك المثنى فلول هُرمز في ((المذار)) ثم وصل خالد إلى ((المذار)) ووقعت فيها ملحمة عظيمة بلغ عدد القتلى من الفرس ثلاثين ألفاً.‏

ودارت بعدها معارك فيما بين النهرين ولا سيما في وقعتي ((الوَلجة وأُليس)) وكانت الانتصارات والهزائم مترددة بين الفرس والمسلمين في وقعة الولجة. ثم حدثت وقعة أُليس وهي أعجب وقائع حرب العراق، وكانت هي الوقعة الحاسمة بين المجوسية والإسلام وسلّمت الحيرة لجيش خالد، واستطاع خالد عبور الخندق في الأنبار على جثث الإبل العجاف، وفتح الأنبار، وسميت غزوة ذات العيون، لأن الناس تصايحوا: ذهبت عيون الأنبار، ثم عقد خالد الصلح مع القائد شيرزاذ على شروط خالد، وانتصر خالد على الفرس في ((أُليس)) بقيادة بَهْمن جَاذْويه ونائبه جابان، على قبائل العرب في عين التمر، وفي وقعة الفراض آخر أعمال خالد الكبيرة في العراق، بعد تطهير جوف الصحراء من جموع الأعراب في دَوْمة الجندل.‏

وكان الخليفة أبو بكر يبلّغ الناس أنباء الظفر لتنتشر في الجزيرة العربية، وقال: "يا معشر قريش، عدا أسدكم إلى الأسد، فغلبه في خراذيله، أعقمت النساء أن يلدن مثل خالد؟".‏

ثم أمر أبو بكر خالداً بالتوجه إلى بلاد الشام لحرب الدولة الرومانية في اليرموك، وكتب إلى أبي عُبيدة في الشام يخبره بمقدم خالد إليه.‏

وكان الطريق بين العراق والشام 500 –600 ميل، فاختار أصعب الطرق وأقصرها، مع تحذير دليله الأكبر رافع بن عميرة الطائي من مخاطر الصحراء، وطلب الإكثار من الماء، وملأ بطون عشرين جزوراً عظيمة سمينة بالماء، فكانوا كلما عطشوا ذبحوا جزوراً وشربوا الماء الذي في بطنه، وبعد ذبحها كلها وكادوا أن يهلكوا، حفروا في جذع شجيرة عوسج، فنبع لهم الماء، ولكن خالداً سار بجيشه البالغ عشرة آلاف بسرعة فائقة من عين التمر إلى قراقر، وقطع المسافة في (18 يوماً).‏

وفي النصف الثاني من السنة الثانية عشرة للهجرة سير الخليفة أربعة من كبار القواد إلى الشام وهم يزيد بن سفيان إلى دمشق على رأس ستة أو سبعة آلاف، وسير شرحبيل بن حسنة بعدد مماثل إلى الأردن، وسير عمرو بن العاص على رأس جيش يزيد على ذلك قليلاً إلى فلسطين، وسير أبا عبيدة بن الجراح على رأس خمسة أو ستة آلاف إلى الجابية في دمشق.‏

وأمدهم بعكرمة بن أبي جهل في جيش صغير لحماية مؤخرة من يحتاج لحماية، وكانت الجيوش الأربعة هي المدد والمانع من الالتفاف.‏

واستعد قيصر الروم لملاقاة العرب في أنطاكية بجيش بلغ مائتين وأربعين ألفاً، وجيش آخر إلى جدار بيت المقدس بلغ سبعين ألفاً، وكان الجيش الروماني أوفر عدداً وأكمل عدة من الجيش الفارسي، لكنه خليط من عناصر عديدة منها الروم والأرمن والعرب وأجناس أخرى، وأثيرت فيهم حمية الدين، أما الجيش العربي الإسلامي فكان من أمة واحدة وبعقيدة واحدة.‏

وكانت معركة اليرموك هي الوقعة الفاصلة مع الروم، وتم توحيد القيادة لخالد بن الوليد، فنظم الفرق جميعاً في تعبئة واحدة على نحو رفيع، فأقام عمرو بن العاص على الجناح الأيمن، ويزيد بن أبي سفيان على الجناح الأيسر، وأبو عبيدة بن الجراح على القلب، واختار طريقة الكراديس على طريقة حرب بني حنيفة المرتدين، لأنها أصلح الطرق للنفاذ في الصفوف، وأدعاها إلى التنافس، وحملة الكراديس معظمها في القلب، وعدته ثمانية عشر كردوساً، ورئيسهم أبو عبيدة، وفيهم عكرمة بن أبي جهل، والقعقاع بن عمرو.‏

ثم اشتبك الجيشان، وبدأ العدو بهجمة مكثفة شعواء، فانكشف المسلمون حينئذ، ثم هزتهم نخوة الإيمان والعرض والأنفة، وأفلحت الكرة الثانية، وتقهقر العدو، وسقطوا في هوة الواقوصة أو وادي الرقاد وقيل: بلغ عدد قتلاهم وموتاهم ثمانين ألفاً سقطوا في الوادي، وودع هرقل الشام إلى عاصمة ملكه المتصدع وداعاً لا لقاء بعده.‏

واستحق خالد أن يكون أحد أبطال التاريخ، وكان لخالد بعد اليرموك عمل حاسم في مرج الروم وقنّسرين (من بلاد الشام) تعقب خالد وأبو عبيدة في مرج الروم قائدين رومانيين وهما جونس وتوذر، فقتلهما. وحاصر خالد في قنسرين الرومان المحتمين، فدك حصون المدينة وهزم الرومان.‏

وبعد معركة اليرموك فتح خالد وأبو عبيدة دمشق سنة (14ه‍) بعد أن عزل الفاروق خالداً توزيعاً للقيادة بالتناوب، وقال: "إني لم أعزل عن سخطة ولا عن خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخشيت أن يوكلوا إليه ويبتلوا، وألا يكونوا بعرض فتنة" ولم يكن عزله كما تبين عن ضغينة في نفس عمر أو منافسة وخوف كما يحلو لبعض المتقولين زعمه.‏

والخلاصة:‏

إن خالد بن الوليد هو سيف الله الأكبر، والمتميز بالعبقرية الحربية الخالدة: حقق الانتصارات في معارك حاسمة عديدة، ومقومات قيادته: الحكمة والشجاعة واليقظة وسرعة البديهة والملاحظة وقوة التأثير، والتفنن في الحروب والاستفادة من الدروس والحروب، ووضع الخطط الناجحة، واستنباط القواعد الصائبة من المعلومات. وهذا ما خلد ذكره على مدى أربعة عشر قرناً في مخيلة الكبار والصغار، والقادة الحربيين وغيرهم، فرضي الله عنه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وقد مات بحمص سنة إحدى وعشرين هجرية، وقيل: مات بالمدينة.‏
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقومات الفكرية والشخصية لخالد بن الوليد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحبس سنتين لخالد عجاج وكفالة 3 آلاف جنيه
» التشكيلة المتوقعة لمباراة بلد الوليد
»  خالد بن الوليد سيف الله المسلول
» عصام الشوالي معلق لمباراة بلد الوليد !!
» مجلس الوزراء وافق على مقترح "الوليد" بشأن "توشكى"

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نور عينى :: ۩۞۩ المنتدي العام ا۩۞۩ :: قســم الموسوعات التاريخية-
انتقل الى: