القيثارة آلة موسيقية قديمة، كان لها دور مهم فى مجمل الفعاليات الموسيغتائية فى بلاد ما بين النهرين، وتعتبر من اهم الآثار الموسيقية التى اكتشفت فى العراق، وقد وردت لها تسميات عديدة أهمها “الكنارة”، أول ظهور لها فى المكتشفات الأثرية كان فى مشاهد موسيقية مطبوعة على أختام اسطوانية يعود تاريخها إلى عصر فجر السلالات الذى أعقب عصر جمدة نصر الأول (2800 – 2700ق.م) وكانت بأربعة أوتار مشدودة بشكل متوازف على ظهر الحيوان، وغالبا ما كان الثور، وهو صندوقها الصوتى الذى يحتوى على أربع ركائز تقوم مقام أرجل الحيوان،
وحديثنا فى هذا القسم (الخامس والأخير) ينصب على القيثار الذهبية الأصلية الموجودة الآن فى متحف الآثار العراقى (قاعة السومريات) فى بغداد، مهتدين بشروحات الدكتور صبحى أنور رشيد حول موضوع هذه القيثارة فى كتبه المختلفة. يعود الفضل فى اكتشافها الى المنقب ولي، وقد اكتشفها فى القبر المرقم 1237 مع مجموعة من القيثارات وهياكل عظمية اغلبها من النساء ولكن أهم هذه القيثارات المكتشفة هما قيثارتان (القيثارة الذهبية والقيثارة الفضية)
وقد تعرضتا الى بعض التشوهات بسبب قدم مكوثهما تحت الأرض (أكثر من 4000 سنة) حيث يرجع تاريخ هذه القيثارة الذهبية إلى حوالى 2450 سنة قبل الميلاد،
وتقسم الى ثلاثة أقسام:
1- الصندوق الصوتي، 2 -الذراعان الجانبيان، 3- حامل الأوتار.
صندوقها الصوتى مصنوع من خشب الأرز كما يعتقد المنقب ولي. طوله من الأسفل 65 سم وارتفاعه 33 سم وسمكه 8 سم تمتد من جانبيه الأمامى والخلفى ساقان إلى الأعلى يميلان الى الخارج قليلا وهما مكسوان بشرائط ذهبية وتطعيم بقطع مثلثة الشكل ومن أحجار ذات ألوان مختلفة، غايتهما استقبال حامل الأوتار وهو أنبوب خشبى مدور، نصفه الأمامى مكسو بقشرة من الفضة يبلغ طوله متر و137 سم ويوازى تقريبا الصندوق الصوتي، تبرز منه إلى خارج الذراعين: فضلتان طول كل منهما خمسة سنتيمترات، تشد على “حامل الأوتار” أوتار القيثارة الثمانية المتدلية منه الى الأسفل وتربط بمكان لها فى الصندوق الصوتي. اما مكان رأس الثور فيكون فى أعلى الصندوق الصوتى من الأمام، وهو مصنوع من الذهب الخالص ولذلك سميت بالقيثارة بالذهبية.
علاقة رأس الثور بالقيثارة
الكثير من العلماء والمهتمين بتاريخ الموسيقى تحدثوا عن سبب استخدام رأس الثور بالذات دون غيره من الحيوانات وفيما يلى بعض ما ذهبوا إليه حول هذا الموضوع.
يقول عالم الآثار الموسيقية شتاودر “ان الثور كان مقدسا فى بلاد ما بين النهرين منذ العصور القديمة وان صورته كانت رمزا للخصوبة كما أن قرون الثور كانت تحلى تيجان الآلهة فى العراق وترمز الى قوتها. .
الدكتورة هارتمان لها رأى آخر حيث تقول إن من ألقاب الإله “الثور”، و”الثور الكبير”، و”ثور السماء” اما صفات الإلهة وبصورة خاصة إينانا، فكانت “البقرة البرية” .
أما الدكتور فوزى رشيد فيقول من خلال النصوص المسمارية تبين لنا بصورة لا تقبل الشك ان عملية تقديم القرابين ألى الآلهة وبالأخص عندما يكون القربان ثوراً او بقرة كان يرافقها العزف على القيثارة وذلك من أجل ان تخفف أنغامها من حدة خوار الثور او البقرة. هذا واذا علمنا ان تقديم القربان الحيوانى يعنى أكل اللحم، فان ذلك يؤكد ان ذبح الثور او البقرة كان يعتبر من الأحداث المهمة فى حياة الأقدمين، وما دام وجود القيثارة من مستلزمات هذا الحدث المهم لذلك صارت العلاقة بينهما وثيقة فزودت مقدمتها بواحد من رأسيهما .
هذا ويعتبر الدكتور صبحى أنور صبحى رشيد هذا الرأى غير وارد ولا يؤيده موضحا ذلك بهذه النقاط الثلاث:
1 – أن علاقة الموسيقى فى عملية تقديم القرابين هى مع الإله مباشر بغية إدخال الفرح والسرور إلى قلبه والحصول على رضاه وعطفه، أى دور الموسيقى هنا ليس للتخفيف من حدة خوار الثور أو البقرة أثناء الذبح0
2- أن النصوص الدينية السومرية تحتوى على مقارنات بين صوت آلات موسيقية مختلفة وصوت الثور فقد وصفت قيثارة معبد “انينو” فى لكش تل الهباء بخوار الثور كما ورد ذلك فى الاسطوانة المعلمة بحرف A العائد الى كوديا، وعلى هذا فان وجود رأس الثور فى مقدمة القيثارة هو تجسيد لهذه النصوص المعبرة عن عقائد الناس آنذاك.
3- إن الأهمية الدينية للثور عند سكان العراق القدامى منذ عصور ما قبل التاريخ هى التى أدت الى إيجاد رابطة بينه وبين القيثارة بحيث دخل فى تكوين الصندوق الصوتى لها.
والحقيقة ان العلاقة النى تكمن وراء جعل رأس الثور فى مقدمة القيثارة دون غيره هى علاقة دينية بحتة وربما تعود الى الطوطمية والتى كانت معروفة عند سكان العراق الأقدمين.
آخر أخبار القيثارة
فى أمسية جميلة قدمها الأستاذ سالم حسين وهو واحد من الموسيقيين العرب الرواد (ملحن وعازف قدير على آلة القانون وأستاذ فى معهد الفنون الجميلة وله كتب مهمة فى تاريخ الموسيقى العراقية وسلالمها وكتاب عن آلة القانون وهو المرافق للفنان القدير المرحوم ناظم الغزالى فى اغلب حفلاته وتسجيلاته كعازف على آلة القانون، أطال الله فى عمره) وكان مكان الأمسية فى جناح من أجنحة متحف الآثار العراقية فى بغداد (قبل الغزو الأمريكي/المحرر) قدم فيها شرحا مفصلا لآلة القيثارة، وقام بالعزف عليها مع فرقة مكونة من طلاب وأساتذة المعهد وكانت بيده قيثارة مصنوعة على غرار القيثارة القديمة صنعها أحد أنجال صانع العود الشهير محمد فاضل العواد ثم قدم تسجيلاً صوتى للباحثة آن كلمو، وهى تغنى على آلة القيثارة المنفردة ترتيلة دينية سومرية قديمة. وكان من بين الحضور الأستاذ عبد الرحمن جبقجى الباحث الموسيقى السورى المعروف والأكاديمى العراقى الدكتور طارق حسون فريد اللذان قدما مداخلات مهمة وإليكم مختصر لمداخلتى التى فدمتها فى تلك الأمسية:
1-ان القيثارة لا يمكن سماع صوتها اذا عزف عليها بالأصابع المجردة حتى باستخدام “ريشة القانون” كما فعل الأستاذ المحاضر، الا باستخدام ميكرفون حساس لكن عندما استخدم مضرب تمكنا من سماع صوتها بوضوح.
2- انها عاجزة تماما على الاستمرار فى العزف مع الفرقة الموسيقية الشرقية التى تتسم بكثرة انتقالاتها النغمية، لعدم وجود “عرب” فى القيثارة (كعرب آلة القانون) فكانت الفرقة تتوقف مع كل تغيير فى النغم ليتسنى لعازف القيثارة تسوية أوتارها على وفق النغم الجدبد وهذا لا يمكن من الناحية العملية والموسيقية، كما حدث أثناء الأمسية.
ويحق لنا التساؤل، كيف كان الفنان العراقى القديم يقدم فعالياته الموسيغنائية حين تشارك القيثارة فى العزف؟
يبدو أن هذه المشكلة لم تكن وليدة اليوم بل هى موجودة منذ القدم، وربما منذ صناعة القيثارة، ففى العراق اكتشف لوح طينى مدون عليه بالخط المسمارى تعليمات مهمة عن كيفية الغناء بمصاحبة القيثارة حيث وضع المدون – الذى كان يدرك جيدا نواحيها الفنية – جدولا ذكر فيه التغيرات الواجب إجراءها على أوتار القيثارة للحصول على أى نغم أو مقام مطلوب، فهو يقول مثلا: اذا كانت القيثارة منصوبة على الكابليتو ولكن البعد الموسيقى نيش كابارى لم يكن واضحا، فانك تعيد تسوية الوتر الأمامى والوتر الثانى من الخلف، فيصبح البعد الموسيقى نيش كابارى واضحا. (الكابليتو، ونيش كاباري، أنغام موسيقية). وهكذا يستمر المدون بتقديم توضيح وافف ومتكامل لكيفية حصول العازف او المغنى على المقام المطلوب الذى يريد ان يشتغل عليه الفنان الموسيغنائى القديم، وهو دليل وافف على وجود هذه المشكلة منذ القدم.