اميرتي الصغيرة

اليوم الخميس 14-6-2007



فتاة شقراء رقيقة تخشى من فرط رقتها ان تضغط على اناملها الصغيرة فتنكسر بين يديك ,جميلة ذلك الجمال الباهت المصحوب بالشحوب , تنذوي في جانب الفصل صامتة هادئة كانها تخشى ان يلاحظ اي شخص وجودها ,اذا ما خاطبتها تبتعد وتنكمش حول ذاتها كانها تحاول الذوبان في الكرسي الصغير الذي تجلس عليه ,لا تعرف هل هو الخجل ام الخوف الذي يجعلها تصنع حول نفسها هذه الهالة من الصمت والانطوائية ؟ انها نورهان اسم جميل لفتاة اجمل لا ليس ذلك الجمال الذي تظنه_ فلقد حباها الله بالفعل بجمال الخلقة فهي بيضاء البشرة ذات شعر ذهبي ناعم ينساب على كتفيها _ لكني اقصد جمالها الحقيقي الكائن داخل هذا المخلوق الجميل الضعيف , فابتسامتها الرقيقة كفيلة بتبديد اعتى الاحزان وحضنها الدافئ ويديها الرقيقتان تعتصران رقبتك يشعرك ان مشاكل الحياة باكملها قد توارت للابد ,انها نورهان تلك الفتاة العذبة التي ادى انغلاقها على نفسها لجعل معظم من يتعامل معها اما ان يتجاهلها او يعتبرها فتاة اخرى لا تمتلك القدرات العقلية اللازمة للحصول على اي درجة علمية عالية لكن _والحمد لله_لا يوجد مشكلة في ذلك فهي فتاة جميلة وستتزوج على اي حال .



كنت اراها من بعيد دائما فاحاول التقرب اليها لكنها كانت تلزم الصمت ولم تتاح لي الفرصة للمكوث معها لفترة طويلة ولم تكن تلك الدقائق القليلة التي اقضيها معها_ قبيل انصرافها_ كافية لكسر الحاجز الذي اصرت على ان تضعه بينها وبين كل من يحاول التقرب اليها ,حتى جاء اليوم الموعود يوم ان انتقلت الاميرة نورهان الى فصلي

لم اكن قد احببتها بعد لدرجة ان اطير فرحا فلقد كنت اعلم ان مستواها التعليمي لا يبشر بخير على الاطلاق فهذا الانطواء حال دون تفوقها ,وهكذا علمت منذ البداية ان السبيل لرفع مستواها ليس بالشدة _فهي ارق من ذلك بكثير _ فقررت اني لن اعاقبها او الومها او استخدم معها الشدة بل ساتقرب منها ونصير اصدقاء ,وهكذا لم يكن دافعي_ وانا اتقرب من تلك الاميرة الشاحبة_الحب بل كان دافع مهني بحت في البداية ,فلقد كنت على يقين من ان مستواها لن يرتقي ولن تستطيع ان تتقبل مني كل ما اعطيها اياه الا بالحب والصداقة التي ستجمعنا .



وهكذا بدات اتقرب اليها واهتم بها اهتمام خاص اثار غيرة اقرانها احيانا ,ووجدت نفسي انجذب اليها كل يوم اكثر واكثر اكتشف نقاط جمالها وسر صمتها لقد كانت اميرتي تعاني بعض اللعثمة في الكلام وعدم ثقة بالنفس,

فالبيت يصب جم اهتمامه على اخيها الصغير فهو الاصغر كما انه الولد _ وما ادراك ما الولد _كما انه يتسم بملامح اخاذة تجذب اليه كل الانظار تاركين اميرتي تجلس في الصف الثاني تشاهد كل هذا بعد ان كانت هي محط كل الانظار فقررت ان ترضى بدور المشاهد وتنسحب بهدوء من على خشبة المسرح فلقد ايقنت_ رغم سنوات عمرها الخمس _ انه حان الوقت لتترك مكانها للنجم الجديد ,ايقنت ان دورها قد انتهى شاءت ام لم تشا ,لم يعد دور البطولة من حقها بعد الان فقررت الانسحاب في صمت حزين .



وهكذا وضعت يدي على المشكلة_وكما يقال فاكتشاف المشكلة نصف الحل _ فتوالت التطورات في علاقتنا بشكل جيد جدا احمد الله عليه ,بدات اسمع صوتها يملا الدنيا نغما ,بدا مستواها التعليمي في الارتفاع بشكل ملاحظ ,لم تصبح افضل تلميذاتي _فقد كانت متاخرة تعليميا عن العديد منهن _ لكنني كنت اشعرها دائما بانها الافضل لابث الثقة فيها فتعطيني هي اقصى ما عندها ,معي كتبت اسمها لاول مرة وقد كنت اشفق على اميرتي من صعوبة كتابته لكنها بذلت اقصى جهدها حتى تمكنت من كتابته ,فتقدمت للالتحاق بالمدرسة وتم اختبارها وقبولها ,هنا علمت ان مهمتي قد تمت وانه حان وقت الرحيل وهي من اصعب لحظات حياتي واكثرها تناقضا وغرابة حين يتصارع فرحي بنجاح ابنتي وانتقالها للمرحلة التالية وحزني لفراق اميرتي .



ذهبت للمصيف هذا العام في راس البر_ كما اعتدنا _ فاردت ان اشتري صور لشخصيات كرتونية لتزيين فصلي وادخال السرور على اولادي ,وهناك وجدتها_ انها نورهان اميرتي الجميلة _ وجدت صورة لملاك متمثلا في فتاة شقراء تلبس ثوبا ابيض يعكس نقاء قلبها ولها جناحان صغيران وتمسك بقلب كبير كانها تحمل الحب للدنيا بين اناملها الرقيقة , فاشتريتها لتظل اميرتي الجميلة معي طوال الوقت ,وعندما عدت لحضانتي غلفتها بالبلاستيك الشفاف لكي احافظ عليها اطول فترة ممكنة واخبرت كل اولادي ان هذه نورهان , ولقد فرحت اميرتي جدا بذلك والتقطت لها صورة على هاتفي بجوارها واعطتها _بعيدا عن اعين اقرانها_لعبتها الصغيرة التي ابتعتها من المصيف لها ولاخيها_الذي كان قد التحق بدوره بالحضانة لكن فى فصل الاصغر سنا .







هنا ظننت انها النهاية فلقد اتممت دوري بشكل احمد الله عليه وتمت مراسم الوداع من تقبيل وتوديع لاميرتي ,

لكن القدر رق لحالنا ولم يبخل علينا ابدا بلقاءات متعددة , فلقد كانت تاتي احيانا لاصطحاب اخاها الاصغر من الحضانة كما كانت تطلب من والدتها الحضور للحضانة يوم السبت _يوم اجازتها_ للمكوث معي , وهكذا استمرت علاقتنا وكانت تلك اللقاءات بمثابة تخفيف لصدمة الفراق كما يقوم الطبيب بسحب الدواء تدريجيا من الجسد , واعتدت بعدها كما اعتادته هي _فالاطفال اكثر قدرة على تقبل التغيير ,وكانت هي قد تغيرت تماما فلم تعد تلك الفتاة المنطوية الخائفة بل اصبحت اكثر جراة وقدرة على التحدث _ويرجع هذا لسماح والدتها لها باللعب مع اقرانها بعد ان كانت تخاف عليها وتحجبها عنهم .



نعم اعتدت بعدها لكنها ابدا ما فارقتني ,فلقد كانت اميرتي تسكن بالقرب من مكان عملي وبدات والدتها في الثقة بقدرتها على القيام ببعض المهام _كشراء شئ للبيت او حلوى لاخيها ...الخ, فكنت كثيرا ما اقابل اميرتي فاصيح مبتهجة كالاطفال" نوراااااااااااا" فتجري علي لاجد بين يدي اميرة رقيقة فارفعها الي فاقبلها واحظى بذلك الحضن الدافئ الذي يذيب كل ما عداه في الدنيا , وكنت اشتري الحلوى خصيصا استعدادا لهذا اللقاء ,اتركها في حقيبتي انتظارا للقاء بلا موعد مع اميرتي ,اراها تركب الدراجة وخلفها يجلس اخوها محمد , اراها فاشعر بسعادة غامرة فهي الان قائدة حكيمة تعرف كيف تقود اخاها دون ان يلجا لسلاحه السري _الا وهو البكاء , لقد وجدت اميرتي مكانا لها من جديد على خشبة المسرح , ادركت ان الساحة تتسع للعديد من الابطال وان ميلاد نجم جديد لا يعني بالضرورة ابدا كسوف نجم اخر, فالحياة تتسع للجميع والبطولة لم تدم ابدا لفرد , فما احلى البطولة الجماعية حين يكون الكل بطل في مكانه , حين يدرك كل منا دوره ويقوم به دون المساس بالاخرين .



كانت اميرتي قد ادركت دورها في الحياة واتقنته وبدات في الاستمتاع به , لقد بدات في فهم قواعد اللعبة نعم لازال الطريق امامها طويل _كما اعتقدنا_ لكنها تمشي عليه بخطوات ثابتة , وها هي كعادتها تقود الدراجة مصطحبة اخاها خلفها تستمتع بلعب دورها في الحياة غير عالمة انه المشهد الاخير لها ,نعم لقد انتهى دورها على هذه الخشبة للابد , لتبدا اميرتي في لعب دور جديد على خشبة اخرى لا مجال فيها للمنافسة ولا المشاحنة , لا احد هنا يمس بادوار الاخرين ,انها الجنة يا اميرتي حيث تمنيت لكي دوما ان تجتازي كل اختبارات وابتلاءات الحياة بنجاح لتظفري بها ,لقد من الله عليكي بها من دون جهد او تعب , اعلم انك الان ترفرفين بجناحين صغيرين تجوبين بهما في الجنة فهنيئا لكي يا اميرتي , وادعو الله ان يجمعني بك في الفردوس الاعلى كما انعم علي بلقائك _في الدنيا_ حين ظننت انه سيكون اخر عهدي بك , فإلى اللقاء يا اميرتي .











المحترقة شوقا اليك