حب الاستطلاع والنشاط والشعور بالنقص دوافع سلوكيات الأطفال التخريبية
تشتكي العديد من الآباء والأمهات عادة من بعض السلوكيات التخريبية لدى
أطفالهم بمختلف فئاتهم العمرية حتى حين دخول المدرسة، فكثيرا ما نلمس
قيام بعض الأطفال بتكسير اللعب وتخريب الأجهزة، أو تعمد ضرب الأطفال،
أو إلحاق الأذى بالحيوانات المتواجدة في المنزل أو خارجه، وربما تمزيق
الكتب، وإفراغ العلب في المطبخ أو تضييع أغطيتها.
ويفسر هذا السلوك من الجانب النفسي والطبي على أن منه ما هو طبيعي،
ودليل على تعايش الطفل مع مرحلة عمرية معينة، ومنه ما هو مرضي
ويستدعي العلاج النفسي.
طفل عدائي :
تقول رنا عبد المجيد (أم لطفل) "منذ أن كان طفلي صغيرا كان يتمتع
بالهدوء، وعدم الرغبة في الاجتماع مع الآخرين . في حين تغير سلوكه بعد
بلوغه الخمس سنوات، حيث أصبح عدائيا بشكل كبير، ويقوم بالرجم
بالألعاب، وتكسيرها، بل أصبحت أشعر بأنه يستمتع بالتخريب العدائي في
المنزل".
وذكر عبد الرحمن العمري (أب لثلاثة أطفال) أنه يلاحظ على أطفاله عند
مرورهم بسن معينة ما بين الخمس إلى التسع سنوات ظهور سلوكيات
تخريبية بشكل كبير، كإلحاق الأذى بالحيوانات، أو الأطفال الآخرين بالضرب
والدفع من الدرج، أو الرمي بالألعاب، والعبث بمقتنيات المنزل والأثاث
والتحف، مؤكدا أنه حين يتعدى الطفل التسع سنوات تختفي هذه السلوكيات.
وأكد بروفيسور طب الأطفال وحديثي الولادة والأستاذ بجامعة الملك خالد
بأبها الدكتور محمد القصادي الشهري أن من أهم اضطرابات السلوك التي
تصيب الأطفال ما يسمى بالسلوك التخريبي، وهو الذي يتمثل في رغبة الطفل
الظاهرية في تدمير وإتلاف الممتلكات الخاصة بالآخرين، أو مقتنيات الأسرة
في المنزل أو الحديقة، وبعض المرافق الأخرى.
وبين الدكتور الشهري أن الطفل حين يلجأ إلى التشويه أو التكسير أو القطع،
ففي الغالب يعكس هذا السلوك رغبة في التعرف على الأشياء والموجودات،
وحينما لا يحسن الأطفال تناول الأشياء وفحصها فمن المتوقع إلحاق التلف
بها، مؤكدا أن الطفل حين يتلف الأشياء فهو يجهل قيمتها أو آثار إتلافها،
وحتى إن تعمد الطفل سكب السوائل على الأرض، فذلك ليس دليلا على حب
الأذى كما يظن البعض، بل إن افتقاد الطفل معرفة شكل السائل حين ينسكب
وينتشر في الأرض هو السبب، وحين تمتد يده لدولاب الملابس، أو أدراج
المكاتب والعبث بها أو إخراج ما فيها، فغالبا لا يكون ذلك بهدف البعثرة بقدر
ما هو بحث عن الشيء المختفي خلفها، أو تقليد والده أو والدته في فتح
وإغلاق هذه الحاويات أو إخراج أشياء منها.
وعن أمثلة ما تمتد إليه أيدي الأطفال بين الدكتور الشهري أن الطفل قد يخلع
أغلفة الكتب ويمزقها، وقد يخلط أغطية المواد، وقد يشد ذيل بعض الحيوانات
مثل القطط، وقد يقطع بعض الأشياء باستخدام المقص، وقد يكتب على الحائط
بألوان ومواد حادة، لافتا إلى أنه كلما تقدم الطفل في النمو وفي حدود الثلاث
سنوات نراه يطور أساليب عبثه، واحتمالية الخطر عليه كرميه للأغراض من
النوافذ، أو إشعال أعواد الثقاب، أو تجريب السكين والعبث بالأدوية.
وصنف الدكتور الشهري السلوك التخريبي لدى الأطفال إلى تخريب بريء،
وهو الغالب بين الأطفال، مشيرا إلى أن هذا النوع يظهر على هيئة تخريب
مندفع، من خلال إلحاق الأذى هنا وهناك، دون ملل، ولا تجدي معهم التنبيهات
ولا العقاب، ولا يهتم هذا النوع من الأطفال بإعادة الأشياء إلى ما كانت عليه،
كما قد يظهر هذا النوع من التخريب بهيئة تخريب فضولي منظم، من خلال
ملامسة الأشياء التي تجذبهم وإتلافها، دون ظهور أي شيء يدل على أنهم
أحسوا بما صنعت أيديهم، والبعض من هؤلاء الأطفال يظهر لديهم ضعف في
البصر أو ثقل في السمع، كما قد يظهر هذا النوع كذلك بهيئة التخريب
كانعكاس للطاقة العضلية، وهو الطفل الذي يفرض نفسه على الآخرين، فيقوم
بالمشي على المفارش ورجلاه متسختان أو حذاؤه، أو يجذب الستائر حتى
تسقط، أو يكسر أدوات وألعاب الأطفال الذين يتشاجر معهم.
وأضاف أن النوع الثاني من التخريب هو التخريب المتعمد، والذي يظهر بما
يسمى تخريب "الشلة" وهو سلوك التخريب الجماعي، وهي مجموعة من
الأطفال تخرب لا لأجل الأذى، ولكن لتفريغ طاقة زائدة وللتقليد، وهم من
يقومون بتكسير زجاج السيارات ونوافذ المدارس مثلا، أو تغيير لافتات
الطرق، وقد يظهر التقليد المتعمد بهيئة التخريب المرضي، وهو الذي يستمتع
الطفل فيه بتعمد التخريب. بل ويخطط له، كمن يقوم بإشعال النار في ستارة
الجيران، ويسعد برؤية النيران وهلع أهل المنزل، أو من يكسر أثاث
المدرسة ويسرق أدوات زملائه، أو يدفعهم على الأرض، ويضحك حين
سقوطهم، ومن يضع الأشياء الحادة والمسامير أمام عجلات السيارة، وهؤلاء
الأطفال من سن التاسعة فما فوق، وقد يظهر سلوكهم التخريبي بتدمير للذات
فيعض الطفل أصابعه، أو يشد أذنه وشعره، وهذا النوع من الأطفال يحتاج
إلى الخضوع للعلاج النفسي.
وبين الدكتور الشهري أن أسباب القيام بالسلوك التخريبي لدى الأطفال تفريغ
النشاط والحركة الزائدة، أو ظهور مشاعر الغيرة لدى بعض الأطفال، أو
مقت الطفل لبعض الناس أو لفئة معينة، إلى جانب حب الاستطلاع والميل إلى
التعرف على الأشياء، بالإضافة إلى النمو الجسمي الزائد مع انخفاض
مستوى الذكاء، وقد يكون من الأسباب شعور الطفل بالنقص، أو بالظلم فيندفع
إلى دروب الانتقام لإثبات الذات، أو العبث والتدمير بسبب ضيق مكان اللعب،
أو لشعور مكبوت بالضيق من النفس وكراهية الذات.
وعن علاج السلوك التخريبي لدى الأطفال يقول الدكتور الشهري"لابد من
دراسة الحالة بدقة لتحديد الدوافع خلف هذا السلوك، وتوفير لعب بسيطة
للطفل تكون متقنة الصنع، تمكنه من تفكيكها وتركيبها دون أن يلحقها تلف،
مع ضرورة توفير المكان الفسيح الذي يستطيع الطفل فيه الاستمتاع باللعب،
إلى جانب الابتعاد عن كثرة تنبيه الطفل وتوجيهه، لأن ذلك يفقد تأثير
التوجيه، ويفقد الطفل الثقة في إمكاناته وفي ذات الوقت عدم تركه يلهو
ويخرب دون رقابة، فالطفل يحتاج إلى حزم بغير عنف، وإلى مرونة بدون
ضعف.
وشدد على ضرورة عرض الطفل على الطبيب للتأكد من طبيعة الغدة
الدرقية، وكذا الكشف على مستوى ذكاء الطفل في العيادات النفسية،
بالإضافة إلى إشباع حاجة الطفل إلى الاستطلاع باللعب والرياضة، وترك
فرصة مناسبة له لتفريغ طاقته الطبيعية بما يناسب سنه، ويشبع رغباته.