الحمدلله الذى ظهر لاوليائه بنعوت جلاله , وانار قلوبهم بمشاهدة صفات كماله ,وتعرف اليهم بما اسداه اليهم من انعامه وافضاله ,فعلموا انه الواحد الاحد .. الفرد الصمد الذى لاشريك له فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى افعاله ,الحى القيوم المتفرد بالبقاء وكل مخلوق منتهى الى زواله ,البصير الذى يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء حيث كانت من سهله اوجباله وألطف من ذلك رؤيته لتقلب قلب عبده ومشاهدته لاختلاف احواله ...فان اقبل اليه تلقاه وانما اقبال العبد عليه من اقباله (جل وعلا) وان اعرض عنه لم يكله الى نفسه ولم يدعه فى اهماله بل يكون ارحم به من الوالدة بولدهافى حمله ورضاعه وفصاله
اما بعد ,,,,,
ذكر الله لنا فى كتابه العزيز قصص الانبياء والمرسلين لتكون نبراصا للأمة تسير على هديهاوينسج الناس على منوالهم ويتخذونهم قدوات فى حياتهم وممن ذكره القرآن الكريم من الانبياء السابقين أيوب عليه السلام
قال تعالى : { وأذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب * أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * وأتينه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى لأولى الالباب * وخذ بيدك ضغثا فأضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب }
وألمح النبى صلى الله عليه وسلم الى طرفا من حياة أيوب كما يروى عنه أبى يعلى الموصلى أنه قال :
(( إن نبى الله أيوب لبث به بلاؤه ثمانية عشرة سنة حتى لفظه القريب والبعيد إلا رجلين من أصحابه كانا يغدوان ويروحان عليه فقال أحدهما لصاحبه يوما : تعلم والله لقد أصاب أيوب ذنبا ما أصابه أحد من العالمين
فقال الثانى : ولم ؟ قال : منذ ثمانى عشرة عاما لم يفارقه البلاء ولم يرحمه الله تعالى فلما غديا الى أيوب عليه السلام قال الرجل لأيوب ما سمعه من صاحبه فقال أيوب عليه السلام : والله لا أعلم مما تقولان شيئا غير أنالله تعالى يعلم أنى كنت أمر على الرجلين يتحدثان فيقسمان فأذهب الى بيتى فأكفر عنهما مخافة أن يحنث بأسم الله تبارك وتعالى ))
ويقول النبى صلى الله عليه وسلم مستكملا (( وكان إذا خرج الى حاجته أخذت أمراته بيده فذهب يوما فأبطأ عليها فقال الله تعالى له { أركض برجلك هذامغتسل بارد وشراب } فعاد اليها أحسن مما كان فقالت : أى عبد الله هل شاهدت نبى الله ذلك المبتلى ؟ فوالله انى رأيت أشبه منك به اذ كان معافا فقال لها : إنى أنا هو
ثم إن الله تعالى أرسل سحابتين وكان لايوب بيدران ( أى مخزنان ) فى واحد منهما بُر وفى الثانى الشعير فأفرغت سحابة فى بيدر البُر ذهبا حتى فاض وفى الثانى ورقا حتى فاض ))
ان هذه القصة تحمل لنا تفاصيل اسلامية وتفتح لنا أبوابا الى عالم الايمان وفيها من الدروس والفوائد الكثير والكثير ومنها :
اولا : الصبر
ان الله تعالى يمتحن العباد
فى هذة الحياة فإذا صمدوا فى زمن المحنة فتحت عليهم أبواب المنح والعطايا
والهبات الالهية بلا حدود ، هذا الذى صبر انما أستعمل الدواء الامثل لكل
بلية ومحنة تمر على العباد فى هذة الدنيا فالصبر جناح من أجنحة المؤمن
يحلق بها فى آفاق هذة الحياة لذلك يقول الله تعالى ممتننا على الصابرين من
بنى إسرائيل { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون } بالصبر واليقين نالوا الامامة فى الدين ونحن مأمورون بالصبر { يا أيها الذين آمنوا أصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } فالصبر هو آخية المؤمن التى يتكأ عليها فى أيام حياته
ثانيا : الوفاء
اسمع كلام النبى صلى الله عليه وسلم وهو ينقلنا الى حياة أيوب عليه السلام ((إن نبى الله أيوب لبث به بلاؤه ثمانية عشرة سنة حتى لفظه القريب والبعيد إلا رجلين ))
القريب والبعيد أنفض من حول
أيوب عليه السلام فكثير من البشر يلتفون حولك وانت صاحب السلطان والمال
والجاه فهذا يضحك لك وهذا يهش ويبش وهذا يحمل متاعك ... متزلفون منافقون
هؤلاء فى كل زمان ومكان فاذا كان الرجل فى بحبوحة من العيش أحاطت به تلك
الحشرات البشرية من أصحاب المصالح فلما أدبرت الدنيا عن أيوب عليه السلام
أنفض الناس من حوله بعد أن كانوا يحيطون به أحاطة السوار بالمعصم !!
ما هكذا يكون الوفاء إن دين الله تعالى يغرس فى نفوسنا القيم النبيلة والمعانى السامية يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( حسن العهد من الايمان )) لذلك أرشدنا عليه أفضل الصلاة والسلام بحسن أختيار الصديق قائلا (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ))
وقد ضرب لنا صحابة النبى صلى الله عليه وسلم أروع الامثلة فى الوفاء وحسن الصحبة فهذا أبو بكر رضى
الله عنه يسير مع النبى صلى الله عليه وسلم فى رحله الهجرة يسير أمامه
وخلفه وعن يمينه ويساره ويقول له : " يا رسول الله إن أصبت أنت أصيبت أمة
بأسرها وإن أصبت أنا أصيب رجل واحد " ولما دخل الغار دخل هو أولا يتوقع
خطرا يصيبه هو ولا يصيب رسول الله
وكان الصحابة فى ساحة القتال يحيطون به كان طلحة فى المعركة يقول : " يا رسول الله نحرى دون نحرك " وكان أبو دجانة يصنع من ظهره ترسا لرسول الله والنبل ينهال علي ظهره
ثالثا : الزوجة الصالحة كنز من كنوز الدنيا
فانظر الى زوجة أيوب عليه
السلام صبرت معه على بلاءه ثمانية عشرة عاما تقوم على رعايته وحاجته ولم
تشكو او تتململ او تتضجر بل ظلت على وفائها وحسن سمتها وصبرها ثمانية عشرة
سنة وكانت قد أضجرته يوما فى أيام مرضه فنذر لله تعالى ان شفاه أن يجلدها
مائة جلدة ولكن تلك المرأة الصالحة لا تستحق منه ذلك فأمره الله تعالى أن
يأخذ ضغثا ( أى مجتمعا من القش الرخو الطرى ) مأئة قشة أن يضربها بها ضربة
هينة لينة حتى لا يحنث فى نذره وفى نفس الوقت لا يؤذى تلك المرأة وذلك قول
الله تعالى { وخذ بيدك ضغثا فأضرب به ولا تحنث }
هكذا فلتكن النساء فياليت
كل النساء مثل زوجة أيوب عليه السلام المرأة الدينة المرأة الودود الصبور
الخلوق لذلك نرى توجيه النبى صلى الله عليه وسلم فى اختيار الزوجة (( فأظفر بذات الدين تربت يداك ))
ثم ماذا كانت عاقبة الصبر ؟
{ وأتينه أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولى الالباب }
فعاد أيوب أحسن مما كان وأغنى مما كان فكان له مخزنان يخزن فى أحدهما
القمح وفى الاخر الشعير فبعث الله سحابتين فأمطرت أحدهما فى مخزن القمح
الذهب حتى فاض وفى مخزن الشعير الفضة حتى فاض بالفضة ويقول النبى صلى الله
عليه وسلم مستكملا قصة أيوب بعد ذلك (( وبينما هو
يغتسل عريانا إذ خر عليه رجل ( اى سرب كبير ) من جراد من ذهب فطفق أيوب
يحسى فى ثيابه من هذا الجراد فناداه الله تبارك وتعالى : يا أيوب ألم أغنك
عن هذا ؟ قال : بلى يا رب ولكن لا غنى لى عن بركتك ))
أرسل الله تعالى لأيوب بعد
أن أمطرت له السحابتين ذهبا وفضة سرب كبير من جراد ولكنه ليس جراد عاديا
انه جراد خلق من ذهب هدية ومكافأة لأيوب الصابرلأيوب الصامد لأيوب المتيقن
للرجل العظيم الذى صبر على البلاء حتى أصبح صبره مضرب المثل يقول الناس
لقد صبر صبر أيوب لشدة صبره وحسن رعايته لله تعالى
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصبر الجميل فى كل أمرنا
للشيخ / أحمد السيسى