الجريمه الأولى: الحمار الصغير
"قال لى عم (على) يوم ما:
-أتدرى لما خرج أدم من الجنه؟
أجبته فى بلاهه :
-لأنه أكل التفاحه.!!..
لطمنى على وجهى برفق وقال لى بحنو:
-بل لأن الشيطان أقسم له..!
-لم أفهم بعد..!!
-ستفهم يوماً ما..!!
إسمى(وحيد).. لا أدرى من أطلق على هذا الأسم..؟ لابد أنه عم (على) الرجل الطيب-الذى كفلنى بعدما وجدنى على باب مسجد(السيدة زينب)
قال لى-قبل أن يلقى ربه-أنه أثناء ذهابه لأداء صلاة الفجر..سمع صوت
عواء(؟!) طفل صغير.. وعندما ذهب بإتجاه الصوت.. وجدنى ملقى على الأرض
وملفوف فى خرقه باليه.. ولم أكن أتجاوز اليوم الواحد بعد.. فأخذنى وقام
برعايتى..وإعتبرنى بمنزلة الإبن له...
قال لى أنه سجد لله شكراً..لأنه رزقه هذا الطفل بعدما كان وحيداً ..فهو لم يتزوج.. وبالتالى لم ينجب...
كان عم(على)إسكافى..أفضل إسكافى فى حى(السيدة).. ولشد ما أدهشنى كم
المعلومات والثقافه التى يمتلكها..والتى للأسف لم أستوعب منها إلا القليل..
كان يجعلنى أساعده فى عمله.. وكانت مساعدتى له عظيمه..كأن أكنس المحل-وهو
بالمناسبه منزلنا-أو أرش الماء أمامه..!!..وهكذا لم أتقن الصنعه..وهو ما
دفعت ثمنه لاحقاً...
وبعد أن لقى ربه..أصبحت وحيداً..لا مأكل..ولا مسكن-فلقد إسترد صاحب المنزل
المحل بعد وفاة عم(على)-أضف لهذا أننى لا أفقه شيئ فى صناعة الأحذيه..
وهكذا قمت ببيع كل شيئ حتى صرت على فيض الكريم..
الى ان قرر أحد (أولاد الحلال) أن يتكفلنى..ويجعلنىأعمل عنده.. وأبيت فى مكان العمل فى أحد المخازن..
كان هذا هو المعلم(صبحى)..و..
بالتأكيد عم(على)هو من أطلق على إسم (وحيد)...!!
كان المعلم(صبحى)-والحق يقال-رجل ينفر الذباب من معاشرته..!! فما بالك بالبشر..؟!
كان الشر مجسم فى جلباب..وكان يمتلك أكبر أذنين رأيتهما فى حياتى-بعد أذن الحمار طبعاً..!!
كان رجلا غليظ الملامح..ذو شارب كث..قد يصلح لإستخدامه مقشه بعد موته..!!
كنت أخافه.. وهذا واضح من الرعب المتجلى على وجهى أثناء مروره من أمامى..
وكنت أبغضه.. وذالك واضح من بصقى على الإرض بعد مروره من أمامى..!!
وكنت..
اللعنه..لقد إستطردت أكثر من الازم.. كنت أقول أنه الشخص الذى كفلنى بعد
وفاة عم(على) رحمه الله..وجعلنى أعمل عنده مقابل المأكل والمبيت..
يعمل فى المخزن معى رجلان..وغلام فى مثل سنى تقريباً..
ودعنا نتعمق فى شخصية هذا الغلام قليلاً..
أول ما تلاحظه تدرك أنه أمهق..أبيض الشعر والحواجب والرموش..ويعانى بالتأكيد من ضعف فى الإبصار..
وبالنسبه إلى شخصيته ..فهو داهيه..شديد الخبث..له نفس قصتى
تقريبا..بالإضافه إلى أنه يكره المعلم (صبحى) وهى نقطة إتفاق بيننا لا بأس
بها..!!
ودعنا نستعرض يوماً من حياتى الجديده تلك..
حسناً..إقترب..إقترب من تلك الحصيره التى على الأرض..هل ترانى
نائماً؟..نعم!..إنظر إذن إلى الحصيره المجاوره..هل ترى (ماجد)-وهو إسم
الغلام-نائماً؟..كلا..؟!! هممْ..لا بأس..فأنا أعرف أين ذهب هذا الوغد!!
هل تريد أن تعرف أين ذهب..؟؟!!
حسناً..إيقظنى لأخبرك..
-أما زلتم مستيقظين أيها الملاعين؟؟!
اللعنه.!!..قلت لك إيقظنى أنت..لا المعلم(صبحى)..!!
إذن فأنت ترانى أنهض سريعاً وأطفئ النور.. وهنا يغمغم المعلم (صبحى) من
خارج المخزن-فهو قد رأى النور من خصاص النافذه،أثناء مروره من أمام المخزن
الذى ننام فيه أنا و(ماجد)،والذى يغلق علينا بابه كل مساء-بكلمات
ساخطه..بإعتبار أننا نكلفه كهرباء زياده بسهرنا ليلاً..
والأن ترانى ألتفت إلى مكان مبيت(ماجد) فأجده-على أثر الضوء القادم من الطريق-نائماً فى مكانه..!!!!
ما هذا الذعر فى عينيك.؟؟!..لاشيئ حدث..ماذا؟!..أين كان (ماجد)؟!!..آه..دعنا نسأله..سأسأله أنا..
-(ماجد)؟؟
-نعم..
-أين كنت..؟؟
-فى الحمام..هل توجد مشكله؟..
-إطلاقاً...!
ماذا؟؟..ألا تصدق أنه كان فى الحمام-الموجود فى المخزن؟؟..
حسناً..أنا أيضاً لا أصدقه..سأخبرك أين كان هذا الوغد..!!
لقد كان بمنزل المعلم(صبحى) يلتقى بفتاة أحلامه..إبنة المعلم (صبحى) وهذه
واحده من غرائب الطبيعه..فلقد أنعم الله على المعلم(صبحى) بفتاه-من زوجته
المتوفاه-باهرة الحسن..عندما أتت يوماً الى المخزن خلتنى رأيت ملاكا..ولكن
للأسف إستطاع (ماجد) أن يأسر قلبها....ولكن السؤال..كيف يخرج هذا الفتى من
المخزن..؟؟!!.. لا أعلم.. ولكنه أخبرنى يوما ما أنه إكتشف طريقه تمكنه من
الدخول والخروج من المخزن وقتما يشاء.. ولكنه لم يصارحنى بعد بهذه
الطريقه..هذا إن وجدت حقاً..!!
ورأيى..أنه عثر على فتحه فى الجدار أو النافذه أو أى شيئ منطقى آخر...
دعنا نعود للنوم إذن.. ولا تنزعج من غضيض(ماجد) أثناء نومه.. ثم ها هو الصباح على وشك الحلول.. ولأترك لك الأحداث كما هى
إستيقظت على (ركلة الصباح)-فهكذا أسميها-من قدم المعلم (صبحى)الغليظه..
فنهضت مذعوراً..للأدرك أن العمل قد بدأ..فى حين إستيقظ(ماجد) قبلى لحسن
حظه..!!
ووجدت أمام المخزن بضع صناديق من الفاكهه.. طلب منا المعلم (صبحى) نقلها لمنزله..
كان المعلم(صبحى) لا يحلو له أن ينادينى إلا بلقب(الحمار)..تعالى يا حمار..إذهب يا حمار..أما زلت نائم أيها الحمار..؟!..وهكذا..
سبحان الله..!!.. من منا أقرب الشبه بالحمير..؟..المعلم(صبحى) بملامحه الغليظه.. وأذنيه الكبيرتين..أم أنا..؟؟!!
كان يمشى بجلبابه الأبيض..ممسكاً بالسبحه البنيه..تبدو عليه سيماء التقوى.. تقوى الشياطين..!!..ثم يقترب منى قائلاً:
-أيها الحمار .. هيا إنقل هذه الصناديق مع (ماجد) إلى المنزل..
فأنظر له مدارياً مقت الدنيا كله فى قلبى-فلقد إعتدت على المعامله الحسنه من عم(على) رحمه الله..إلى أن إبتلانى بهذا الوغد الزنيم..
ثم أباشر نقل الصناديق مع(ماجد)..وأثناء سيرنا أسأله:
-ترى.. لماذا صناديق التفاح الأصفر فقط هى التى تنقل لمنزله على الدوام
..؟!.. ألا يتناولوا الأحمر قط..؟! ثم..أيأكلون كل تلك الكميه إسبوعياً..؟!
نظر لى ساخرا.. وقال:
-ألم تشتهى نفسك تذوق هذا التفاح الأصفر.. فحاولت أخذ تفاحه من أى صندوق..؟!!
-كلا طبعاً..فأنت تعلم أنه نهانا عن تلك الصناديق قطعياً.. وتعلم مصير من
يجرؤ على فتح إحدى الصناديق..فركلتين من قدم هذا الوغد كفيله بردعى عن مثل
تلك الأفكار الأثمه..!!
-إذن أنت لا تعلم ما هو مخبئ أسفل ذالك التفاح..حقاً..يا لك من حمار يا صديقى..!!
نظرت له فى غضب..وقلت له:
-لا تقل مثل تلك الكلمه مرة ثانيه.. إذا أردت أن تستمر صداقتنا..
- حسناً.. لا تغضب..كنت أمزح.. تلك الصناديق تحتوى-يا من لست حماراً-على..
-على ماذا؟؟
-على مخدرات..!!
-ماذا..؟؟؟!!
وهنا أفلت الصندوق من يدى.. وسمعت سباب المعلم(صبحى)من بعد.. فإنحنيت على
الأرض.. وأسرعت بجمع التفاح المبعثر.. وبصرت بثلاثة طرب حشيش فى قاع
الصندوق.. ووضعت التفاح فى الصندوق.. ثم رفعته من على الأرض.. وسرت فى
ذهول.. إلى أن قاطعنى (ماجد) قائلاً:
-ما لك فزعت هكذا يا صديقى..؟..ها هو الأمر..المعلم(صبحى) تاجر الفواكه
الشهير..يخفى خلف تجارته هذه.. نشاطه الإجرامى ذاك.. لقد إنتابنى الشك منذ
البدايه.. وراودتنى نفس الأسئله التى قلتها منذ قليل.. لماذا صناديق
التفاح الأصفر فقط هى التى تنقل لمنزله.. فى البدئ إعتقدت أنها لإستعمال
أهل بيته ولكن..ستة صناديق إسبوعيا كثير.. وكثير جداً.. إلى أن إكتشفت
بالصدفه ما هو مخبئ تحت التفاح الأصفر..حقاً..إن المعلم(صبحى) يمتلك-على
عكس ما يبدو-بعض الذكاء..!!
وصلنا للمنزل ووضعنا الصناديق فى صمت.. وعدنا لحمل المتبقى.. وأثناء مرورى
على محل بقاله..وجدت قناع لحمار معلق..فسألت عن ثمنه وطلبت من(ماجد) أن
يعطينى جنيهاً-فلم أكن آخذ أجر مقابل عملى-فأخبرنى أنه لا يمتلك سوى جنيه
واحد..ولكنه أعطانى إياه أخيراً.. وإشتريت القناع..وأعجبنى.. وتخيلته على
وجه المعلم(صبحى).. وضحكت فى هيستيريا..
وبعدما فرغنا من تحويل الصناديق..رأيت المعلم(صبحى) يتحدث مع (ماجد) وراح
يعنفه بشده..ولم أستطع أن أسمع فيما كانا يتحدثان.. ورأيت المعلم(صبحى)
متوجها إلى.. وفى عينيه ما لا يسر.. أيكون (ماجد) قد أخبره أننى....
-حسناً أيها الحمار.. لن تعمل عندى منذ الأن...
نهضت فى فزع.. وسألته عن السبب..فرفض إعطائى إياه..شرعت أتوسل إليه..وأبكى
بحرقه ..عسى أن يتركنى (أكل عيش) فكان رده ركلة أطاحت بى خارج المخزن
لأرتطم بالسياره النقل الواقفه أمام المخزن.. وأقع على الأرض أمام نظر أهل
الحى.. فنهضت وسرت وأنا أعرج قليلا.. لا أرى سوى السواد أمامى.. ثم مسحت
دموعى ووجهى من الغبار ..رباه... أهذه دماء..؟!!!
بقيت بلا مأوى لثلاثة أيام..كان ملاذى الوحيد هى خرابه..تسكنها الكلاب
الضاله.. وأطفال الشوارع.. ذوى علب المياه الغازيه المحتويه على الكله..
بلإضافه إلى العفاريت والجان..!!
نعم لقد رأيتهم..أم أنها هلوسات غلام لم يأكل منذ ثلاثة أيام سوى الفضلات من القمامه..؟!!
لكنى كنت فى أفضل حالاتى المزاجيه..حين قررت الإنتقام من ذالك الوغد.. فمنذ الأن ..أصبح المعلم(صبحى) تاريخ..!!
سأقتله حتى ولو كان هذا أخر ما أقوم به فى حياتى..
كان بإمكانى إبلاغ الشرطه عنه.. ولكن.. كما كان يقول عم(على) رحمه الله.."إذا أردت أن تقوم بأمر ما.. بالشكل الصحيح..قم به بنفسك"
فأنا أريد الإنتقام منه بنفسى.. وسأفعل..
وأثناء ذهابى لتنفيذ ذالك المخطط-واللذى إستنفذت فيه كل طاقاتى الذهنيه
والجسديه-قابلت إبنته..إبنة المعلم(صبحى)..(دينا).. لحسن حظك ستكونين
يتيمه غداً.. سأخلصك من جحيمه لوجه الله..
ألقيت عليها السلام ..وغازلتها قائلاً:
-كيف حالك يا {فينوس}؟..
نظرت لى بعتاب قائله:
-شكراً يا (وحيد) على هذه الإهانه..أنا فانوس..؟!!!
نظرت لها متعجباً..لابد أنها ورثت جمال أمها..وغباء أبيها المتناهى..
هززت رأسى لها فى سخريه.. ثم إتجهت نحو اللحظه الحاسمه...