واجبنا تجاه الفتن
نحن نشكو في هذه السنوات الأخيرة من قلة ذات اليد ومن قلة الوظائف، ومن أشياء كثيرة بدأت تظهر بعد سنوات الطفرة، التي قليل من عباد الله من شكر الله تعالى عليها، فما الحل لهذه المشكلة؟
الحل هو التوبة والاستقامة، والاستجابة لنداء الله، والاستجابة لداعي الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الحل هو ما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96]، وقال: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16]، وقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة:66].
فهذه بلوى الشر، وبلوى العسر بعد الرخاء والخير والنعمة، وهذه بلوى كما أن تلك بلوى، وهذه فتنة كما أن تلك فتنة، فيجب أن ندفع هذه الفتنة، ونحن -ولله الحمد- نستطيع أن نقوم وأن نسهم في هذا الواجب.
فإن لم تكن من الدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى باللسان والحكمة والموعظة الحسنة، فكن ممن يُحب مجالس الذكر، وحلقات العلم، ويشجع أهلها ويدعوهم إليها، وإن لم تكن ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتحمل الأذى من أجل ذلك، فلا أقل من أن تُحب أولئك القوم وتبغض من يعاديهم،وتدعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم بالنصر والتأييد والتوفيق.
وهذا هو واجب الأمة جميعاً كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] فهذا يُلقي الموعظة، وذاك يعلق الإعلان، وهذا يحدث إخوانه في المسجد: أن تعالوا إلى ذكر الله، والآخر يحث أسرته، وذاك يأخذ الشريط ويوزعه، والثالث يُؤسس جماعة لتحفيظ القرآن، والآخر يحفظ في هذه الجماعة، والباقون يرسلون أبناءهم لهذا التحفيظ، وهكذا نتعاون على إنكار المنكر، وعلى حفظ كتاب الله، والدعوة إلى الله، وعلى إحياء بيوت الله، وإقامة فرائض الله.
وبذلك نجد أنفسنا حقاً على طريق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومتبعين لمنهجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ونجد أنفسنا على طريق خير ونعمة وبركة، وإن قلَّت ذات اليد، فالخير والبركة فيما يعطينا الله سبحانه، ولا خير في عطاء -مهما كثر- لا بركة فيه من الله.
وهذه المنطقة قد مَنَّ الله عليها بدعاة أبرار من أبنائها الأخيار -إن شاء الله تعالى- وإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أراد أن يرفع قوماً اصطفى منهم من يحبه الله، ومن يقتفي منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيرفع الله تبارك وتعالى به قومه كلهم، أو الأمة كلها، وقد انتشرت -ولله الحمد- في هذه البلاد دعوة الخير، وهذه نعمة وفضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فإذا أردنا - ونحن كذلك نريد- أن نكون من أحباب الله، ومن أوليائه وأصفيائه فعلينا بالدعوة إلى الله، لنقم هذا الدين، ولنحيي بيننا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولنتعاون على نصح الجاهل.
والجهال الذين لا يعرفون قيمة الحياة ولا يدركون لماذا جاءوا لهذه الدنيا ولماذا خلقوا؟ كثير منهم يغتر بما أعطاه الله من مال، وهو قليل بالنسبة لما أعطى الله غيره، وبالنسبة إلى سعة ملك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيصرف هذا المال كما يشاء أو يبذر كما يشاء، أو يظن أن تطور المنطقة وتقدمها إنما هو في اللهو أو في اللعب أو في السياحة أو في إخراج المرأة، أو في أمور يطبل ويزمر لها الغافلون عن الله، الذين لا يرجون الله واليوم الآخر، وربما وجدوا من يطيعونهم.
لكن لا بد أن نأخذ على يد السفيه، وأن نأطره على الحق أطراً، وأن نأخذهم بالرفق والحنان والحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكون شيوخ القبائل -وكلهم إن شاء الله على خير وهدى- وأئمة المساجد والدعاة والمدرسون في المعاهد والمدارس وحملة القرآن وحفاظه يداً واحدة على الخير ولا يفتحوا المجال لأي منكر أن يتسرب فيما بينهم.
والمجال يطول جداً، فنحن مُقبلون على أهوال عظيمة نسأل الله سبحانه أن يقي المسلمين شرها، إنها أهوال تفتح اليوم على العالم الإسلامي عن طريق وسائل الإعلام، وعن طريق وسائل الاتصال الأخرى، التي تجعل هذه الأمة فريسة ونهباً لأعدائها، تدمر الأسرة، وتفرق الأمة، وتشتت المجتمع، لحساب العدو الذي يوجه ويسيطر على هذه الوسائل، ولا يمكن أن نقاوم ذلك كله إلا بإحياء الدعوة إلى الله على بصيرة وعن اقتناع وعن إيمان عميق راسخ بما أعد الله للمتقين، وصبر على ما يلاقي الدعاة والمجاهدون، ولنعلم أن الله سبحانه قد قال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31