السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
القرقيعان
في ليلة الخامس عشر من رمضان
تقديم
فضيلة الشيخ | أ.د خالد بن علي المشيقح
بحث وإعداد
محمد بن عبدالله بن محمد الشنو
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد :
فقد قرأت في الرسالة التي كتبها أخونا محمد بن عبد الله الشنو في عادة انتشرت في بعض مدن المنطقة الشرقية فوصف تلك الحالة ، وبين أصلها ،
وحكمها الشرعي ، فجزاه الله عن الإسلام خيراً على ما نصح وبين ، ونفع برسالته من قرأها وكتبها .
وبالله التوفيق .
كتبه / أ. د/خالد بن علي المشيقح
كلية الشريعة بالقصيم 7/6/1429هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) آل عمران: 102
و قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء: 1
و قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ) (69)
و قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) الأحزاب: 70 – 71
أما بعد :فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
فإن أعظم ما تنفق فيه الأعمار طاعة الله عز وجل المقربة إليه ، ولابد لمريد الطاعة أن يتعلم شرع الله ، ولابد للمتعلم من معلم يعلمه أحكام ربه التي يتعبد بها ، ولهذا كان لابد من الإتباع .
لكن نتبع من ؟ نتبع الرجال وآراءهم والتي هي نتاج عقولهم ؟! وأي رجل نتبع ؟ والرجال كثر . وأي عقل ٍ نقتفي ؟ والعقول متفاوتة .
فكم من أمر حسنه عقل وقبحه آخر !! ولهذا كان لابد من إتباع الوحي المعصوم المنزل من عند خالق الخلـق . أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك: 14.
وقال عز وجل عن نبيه محمد صلى الله عليه و سلم : ( وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم ْتَهْتَدُونَ ) الأعراف: 158 .
( و يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ) النساء:59 .
( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) الشورى:10.
وقال : (( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ))[1] .
ولهذا كان إرسال الرسل من عند الله عز وجل رحمة بالخلق ؛ ليهدوهم بأيسر طريق على خالقهم .
وكان خاتمهم محمد صلى الله عليه و سلم هو الرحمة المهداة ، هو المعلـم الأول ، فعلّم الأمة دينها ، وقال لهم قبل أن يفارقهم :
(( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ،
عضوا عليها بالنواجذ ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد )) [2].
إن هذه النصوص وما جاء في معناها تأسيس لقاعدة عظيمة ومبدأ مهم وهو : ( وجوب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله r في كل شيء ، في العبادات والعادات والمعاملات ) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه و سلم بعد موته هو التحاكم إلى سنته " .
وعلى نهج النبي صلى الله عليه و سلم سار أصحابه والتابعون من بعدهم ومن تبعهم بإحسان .
وكانت طريقة التعليم تسير في خطين متوازيين يؤديان نفس النتيجة :
الأول : نشر السنة .
الثاني : التحذير من البدعة .
فكانت حلق العلم والدروس والمؤلفات تمثل منهجاً لنشر العلم والتحذير من البدع والابتداع .
وقد وقفت بعد توفيق الله عز وجل لي على عادةٍ ألفتُها منذ الصغر عمّت في أهل قريتي , توارثها الأصاغر عن الأكابر ، جيلاً بعد جيل دون نكير , حتى اطلعت على فتوى
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بيان حكم هذه العادة ، وسيأتي في ثنايا البحث ذكر هذه الفتوى .
ولعل سائل يسأل ويقول :
ما الذي حملك على كتابة هذا الموضوع ؟
دفعني إلى كتابة هذا الموضوع :
أولاً : النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم , في بيان السنة والتحذير من البدعة .
ثانياً : أن بعض طلاب العلم والدعاة يجهلون حقيقة هذه العادة ؛ لأنهم لم يقرأوا رسالة مطبوعة تتحدث عن هذا الموضوع .
ثالثاً : اهتمام بعض وسائل الإعلام في نشر هذه العادة ؛ بحجة أنها تراث قديم يجب المحافظة عليه .
رابعاً : انتشارها في بعض الدول انتشاراً واسعاً كما في الكويت ، وشرق المملكة ، وقطر ، والإمارات
وجنوب إيران ، و كثير من مدن العراق و غيرها من البلدان الإسلامية، وتشجيع بعض أئمة المساجد وأهل الخير في الحث على حضورها والدفاع عنها ؛ جهلاً بحكمها وما يترتب عليها .
ولما كان الانشغال بالعلم النافع تعلماً وتعليماً من أفضل القربات أحببت أن أشارك بشيء أنفع به نفسي وإخواني ، ويكون لي ذخره عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ،
فقمت بكتابة هذا البحث الذي أسميته :
{ القرقيعان في ليلة الخامس عشر من رمضان }
ويدور بحث هذه العادة حول .
أصل التسمية ومتى تقام .
أحداث تلك الليلة في القرى والمدن .
تاريخ ونشأة هذه العادة .
الأعياد من المسائل الشرعية التعبدية .
مشابهة القرقيعان بالعيد .
مشابهة القرقيعان للكفار .
حكم هذه العادة ؟
فتوى العلماء .
بعض مفاسد هذه الليلة .
نصيحة .
أصل التسمية ومتى تقام :
القرقيعان : كلمة عامية وجاء في اللغة ما هو قريباً منها في مادة ((قَرَعَ)) بمعنى دقه [3], والمراد بها إحياء ليلة مخصوصة بعمل خاص معتاد .
إحياء ليلة مخصوصة : ليلة الخامس عشر من رمضان وهي الأصل.
بعمل خاص : كقرع الصبيان أبواب البيوت , من أجل الحلوى ، واجتماع الناس للطعام .
معتاد : يعود كل سنة , كعيد الفطر والأضحى .
أحداث وتسمية هذه الليلة
تختلف إحياء هذه الليلة وتسميتها من قرية إلى أخرى ، ومن مدينة إلى مدينة ، ففي الكويت والمملكة العربية السعودية تسمى" بالقرقيعان " .
وفي الامارات و عمان ، والبحرين و العراق فتختلف مسميات هذه الليلة , ففي دول الخليج يسميها البعض (القرقيعان) والبعض الآخر (الناصفة) أو
(حل وعاد) أو (كريكشون) أو(القرنقشوه) أو (الطلبة) ، وتسمى أيضاً (طاب طاب) ، و ( كرنكعوه) أو (كريكعان) وتسمى أيضاً (حق الليلة )أو (الماجينة)
إلا أن العادات المتبعة في الاحتفاء تتطابق في كافة دول الخليج ,
وأيضا يختلف زمانها بحسب المناسبة الداعية له , كالنصف من شعبان أو رمضان وسيأتي بيانه .
أما عن أحداثها , ففي الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية تبدأ من غروب الشمس إلى آخر الليل .
فالقرى تختلف عن المدن ,
فحال القرى على سبيل المثال أدوار تقام فيها ، فدور للرجال ، ودور للنساء ، ودور للصبيان ، ودور للبيوت .
أما عن دور الرجال :
فإن كل جماعة منهم تجتمع في بيت قد اتفقوا على الاجتماع فيه مسبقاً ، والعجيب في ذلك أن الأقارب الذين يبعدون عن أهليهم الأكيال البعيدة ، يقطعون
المسافات الطويلة لحضور هذه الليلة ، وبعد الساعة العاشرة تزيد أو تنقص تقوم كل جماعة بإحضار أصناف الطعام إلى ذلك البيت وحينما يجتمعون يبدأون
العشاء ، وبعد العشاء يقام التصوير لذكرى تلك الليلة الغريبة ، ثم ينصرفون بعد ذلك .
أما عن دور النساء :
فإنهن يفعلن مثل ما يفعل الرجال .
وأما عن دور الصبيان :
فإن كل أسرة تخيط وتخبن لصبيانها ما تسمى "بالخريطة " تشبه الكيس تجعل على الرقبة خيط يُشدّ به الخريطة التي على الصدر ،وفي بعض المناطق عبارة
عن سلة كبيرة مصنوعة من سعف النخيل أو قطعة قماش وهي تعرف عربيـاً بـ (المخلاة) .
, يوضع بداخلها خليط منالمكسرات النخي ,والنقل , والسبال , والبيذان ,والجوز , والفول السوداني والتين المجفف, إلى جانب بعض الحلويات،
وللبنات لباس خاص يلبسونه يسمى " المخنق " , فيطوفون البيوت ليجمعون بها الحلوى فتمتلئ الشوارع بمسيرٍ جماعي من الأطفال من بيت لآخر .
وهم يرددون الأناشيد التي تخص هذه الليلة " قرقيعان .. قرقيعان .. بين قصير ورمضان .. عطونا الله يعطيكم .. بيت مكة يوديكم .. يوديكم لهاليكم "
وغيرها من الأهازيج التي تختلف كل دولة فيها عن الأخرى
فعلى على سبيل المثال ففي العراق تُسمى هذه العادة بالماجينة ، و لهم اهزوجتهم:
ماجينه يا ماجينه
حل الكيس وانطينه
انطونه الله ينطيكم
بيت مكة يوديكم.
وعند غيرهم قرقعقريقيعان
عطونا الله يعطيكم
بيت مكة يوديكم
يا مكة يا معمورة
يا أمالسلاسل و الذهب
عطونا من مال الله
يسلم لكم عبد الله
عطونا دحبةميزان
يسلم لكم عزيزان
باب الكرم ما صكه
ولا حط لهبوابة
وكلما دخلوا على بيت ووجدوا حاجتهم رددوا اسم الابن الأصغر لهذا المنزل " قرقيعان فلان .. قرقيعان فلان " ، ويفتحون الخريطة ويرفعونها بأيديهم لكي يحصلوا
على أكثر قدرٍ من الحلويات والمكسرات .
فإذا امتلأت الخريطة رجعوا لتفريغها ، وعادوا لإكمال المسيرة إلى آخر الليل .
ولك أن تتصور كم سيشتري رب الأسرة من الحلويات والمكسرات للصغار القادمين عليه ؟ .
ودور البيوت بارزٌ في إعداد الحلوى وأنواع المكسرات ، وتنشغل كذلك بإعداد الوجبات المتنوعة لإحياء تلك الليلة .
وكم مررنا على بيوتٍ فقيرة لا يفتحون أبوابهم في هذه الليلة ، لا لعلةٍ ؛ سوى أنهم لا يجدون ما يعطوننا إياه ، فنقابلهم بالسب والألفاظ النايية .
هذا حال القرى فكيف بحال المدن ، بل حال بعض الدول المجاورة .
بدأت العناية بهذه الليلة اعتناءً بالغاً في الأهمية , حيث أقيمت الاحتفالات في الفنادق , والأندية الرياضية , واستؤجرت الاستراحات , فأبدت المحلات التجارية
الاستعداد التام في توفير أصنافٍ كثيرة من الحلويات والمكسرات ، وبطاقات الدعوة التي كتب فيها مناسبة هذه الليلة, وامتلأت وسائل الإعلام من قنوات ، وصحف ،
ومجلات عرض هذه العادة الغريبة ، زاعمة في ذلك حفظ تراثها الشعبي .
ذكرت جريدة الرياض في عددها 13986 لعام 1427هـ مقالاً لأحد الكتاب قال فيه (احتفل أطفال المنطقة الشرقية أول أمس السبت بمناسبة شعبية تسمى "القرقيعان"
وهي من أهم العادات الرمضانية الشعبية في المجتمع الخليجي، وتُعد أهم المناسبات عند الأطفال خاصة في الدمام والقطيف والاحساء.
وإن كانت قد انتقلت إلىالكبار في السنوات الأخيرة؛ حيث أصبحت مضماراً للمباهاة بين الأسر؛ إذ تتجاوزتكلفتها في كثير من الأحيان آلاف الريالات.
وليالي القرقيعان في الخليج هي ليالي (14، 15، 16) من شهر رمضان ...
هذاتقليد سنوي متعارف عليه، ولكن قرقيعان الاحساء هذا العام اختلف عن الأعوام السابقةفقد تحولت ليلة القرقيعان إلى مهرجان للفرح والاحتفال حيث زينت
مداخل القرى وعملتالبوابات التي تزينها الأضواء يستقبلون من خلال هذه البوابات المارة من السياراتيوزعون عليهم هدايا القرقيعان والمشروبات
مع بعض الأناشيد الخاصة برمضان المبارك) .
وقال آخر (الرياض تحتفل لأول مرة بالقرقيعان
أشعل 400 طفل وطفلة قناديل رمضان الملونة وتجولوا بها فيأسواق الفيصلية مرددين «قرقيعان.. قرقيعان.. بيت قصير ورمضان..» وحصلوا على هداياوألعاب وحلوى
قامت بتوزيعها عدة جهات كما تم توزيع نقود على كل الأطفال من البنكالسعودي البريطاني وحصل كل طفل على مبلغ 20 ريالاً . (ويزداد الأمر سوء حينما تعرض إحدى الدول
في إعلامها مسلسلاً يصور لك الأعمال التي يفعلها الصبيان في تجوالهم حول البيوت ، سائلين إحدى البيوت إعطاءهم بعض الحلوى أو المكسرات ، فاعتذر أهل البيت من
إعطائهم ، فرمى الصبيان الباب بالحجارة وهم يرددون عبارات السب والشتم .
ولنا أن نتسائل من أين جاءت هذه العادة ؟
هل ورثها الآباء عن أسلافهم خير القرون المفضلة ؟
لمـاذا خُصصت في هذه الليلة ؟ ولمـاذا سميت بهذا الاسم ؟
إن الإجابة عن هذه الأمور يكمن في معرفة تاريخ ونشأة هذه العادة ، ومن ثم يبنى الحكم عليها ؟
فالذين بحثوا في التاريخ تبين لهم أن هذه العادة في هذا اليوم مشابهة جداً لعيد الرافضة في إحياء المولد , ومشابهة أيضا لعيد النصارى .
وهم متفقون على أنها ليست محدثة من المسلمين .
فالذين جزموا أنها من الرافضة ، قالوا : بأن هذه العادة لا تعرف في الحجاز ولا في نجد ، وإنما تعرف في شرق المملكة على الساحل الشرقي وهناك يكثر تواجدهم .
ولا يخفى عليك أن بعض العوام يجهلون عقيدتهم وما نختلف معهم في الأصول والفروع يزورونهم ويخالطونهم .
أضف إلى ذلك أنهم كانوا يشاركونهم في صيد الأسماك والرحلات المتنقلة بين الدول في الزمن القديم .
علماً بأن الرافضة يعظمون هذا اليوم ، وأنه من شعائرهم ، فهو يوافق مولد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
قال ابن عبد البر : " ولدته أمه في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة , هذا أصح ما قيل في ذلك إن شاء الله " [4].
قال صالح الكرباسي [5] " فإن مبدأ القرقيعان يرجع إلى مولد سبط رسول اللهصلى الله عليه و آله الحسن بن علي ( عليه السَّلام ) [6] ،
حيث أن ولادته الميمونةكانت في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة المباركة .
نعم كان النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ينتظر بفارغ الصبرأول وليد لبيت الرسالة و ما أن بُشِّر بولادته حتى أسرع إلى بيت فاطمة ( عليهاالسلام ) فرِحاً مسروراً ،
ثم استدعى سبطه الحبيب ليشمَّه و يُقبلهُ و يؤذِّن ويُقيم في أذُنيه ، حينها نزل عليه جبريل ( عليه السَّلام ) ليُهنئه أولاً ، ثمليقول له سمِّه حَسَناً ، فسماهُ حسناً بأمر من الله عَزَّ و جَلَّ .
و ما أنعَلِمَ المسلمون بخبر الولاة الميمونة التي فرح بها النبي صلى الله عليه و آلهو أهل بيته ( عليهم السلام ) حتى توافدوا على بيت الرسول صلى الله عليه و آله )
يزفون إليه أحر آيات التهاني و يباركون له مولد سبطه الحسن ، و هكذا بقيت هذه العادة جارية في المسلمين حتى يومنا هذا .
و الغريب أنه في الآونة الأخيرة بدأت بعض الجماعات المعروفة بتوجهاتها المعادية لأهل البيت عليهم السلام
التركيز على مهاجمة هذه العادة باعتبار أنها بدعة و عليه فهي غير جائزة "[7]
قال محمد بن باقر المهري : " إن القرقيعان سنة شرعية وعادة شعبية حسنة "[8]
وقد سئل السيستاني سؤال هذا نصه عندنا عادة في ليلة الخامس عشر من رمضان نحتفل فيها بمولد الحسن عليه السلام ونسميها بالقرقيعان فهل هي جائزة وما سبب تسميتها بهذا الإسم ؟
فأجاب " باسمه تعالى يجوز" [9]
فلا مانع إذاً من موافقتهم ، بحكم الجوار , ومشابهة العادة [10].
والذين قالوا بأن هذه العادة من النصارى : عللوا ذلك ؛ بأن هذا العادة توافق عيداً من أعيادهم ، وفيه شبه من القرقيعان من تجوال الأطفال حول البيوت ، وأخذ الحلوى والمكسرات[11] ،
وأن النصارى كانوا في الزمن القديم متواجدون في هذه المنطقة[12] , فمع الاحتكاك شابه الرافضة النصارى ، وزادوا في تعظيمهم " أي الرافضة "
لهذا اليوم طواف الأطفال على البيوت ، فانتقلت بعد ذلك إلى المسلمين .
هذا من الناحية التاريخية ،
أما اليوم انظر ما يشابهه في الدول العربية والأجنبية
ففي شوارع المدن الأميركية وبعض المدن الأوروبية ملايين الفتية وهميرتادون الملابس العجيبة وأقنعة التخفي، ثم يجولون على جيرانهم، ويدقون أبوابمنازلهم طالبين
منهم الحلوى والهدايا. وإذا لم يتجاوب بعض أصحاب هذه المنازل،لأسباب تتصل بمعتقداتهم أو بأفكارهم، فإن الفتية يبادرون الى ترديد كلام هجائي مقذعبحقهم.
وفي هذه الليلة التي تدعى «ليلة الهالوين»، تنفلت مشاعر الفتية والأولاد،فيعبّرون عن ذلك بالصخب والعنف بلا حدود أو قيود. وقد تمكنت الرأسمالية الأميركيةمن تحويل
هذه الليلة الى موسم باذخ لشراء الأقنعة والملابس الغريبة والهدايا بطريقةهاذية، تماماً مثلما حوّلت عيد الحب المزعوم إلى مجرد مناسبة تبذيريةللبيع والشراء .
وإتماما للفائدة
" فلدى اليهود عيد"البوريم"، أي عيد المساخر، وفيه يتنكّر المحتفلون بأزياء هزلية، ويُسرفون فيالشراب والضحك، وتقع فيه، جراء ذلك، حوادث العنف.
وهذا العيد لدى اليهود يقع فيالرابع عشر من نيسان، وهو اليوم الذي أنقذت فيه أستير (عشتار) يهود فارس من الموت (كأنها طردت إله الموت عن شعبها).
وفي الأردن تنتشر عادة «عشاء الموتى» فتذبحالعائلات ذبائح وتترحم على موتاها.
وفي السودان يقام «عشاء الميتين» فيطوف الأولادعلى بيوت الجيران وهم يرتدون ملابس التنكر ويهددونهم بالكوارث والمصائب إذا لميطعموهم.
وفي العراق، يحمل الأطفال، إبان الاحتفال بمولد الإمام الحسين في النصف منرمضان، الأكياس ويدورون على البيوت ويطرقون الأبواب، وحينما يُفتح لهم ينشدون:
«اعطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، ويرجعكم لأهاليكم... لولا ولدكم ما جينا، يفكالكيس ويعطينا». ويتحول الغناء الى إزعاج، ولا يكف الأولاد عن السؤال حتى يحصلواعلى الحلويات.
وفي لبنان وسوريا يُعتبر عيد القديسة بربارة أقرب النماذج الى الهالوين، وهو يقع في اليوم الثالث من كانون الأول،ويتزامن مع عيد القديسة فيفيان.
وبربارة شفيعة المساجين، وقد عاشت في تركيا فيالقرن الثالث الميلادي. وترمز قصتها، جزئياً، إلى الأرواح التي تبقى مسجونة طوالسنة كاملة لتخرج كلها في يوم محدد.
وفي هذا العيد يرتدي الأولاد الأقنعة، أو يرسمونوجوههم بالأصباغ، ثم ينتشرون في الشوارع مرددين أغنية «هاشلة بربارة مع بناتالحارة».
وحينما يقرعون باب أحد المنازل يبدأون بالغناء مرددين: «يا معلمتي حلّيالكيس الله يبعتلك عريس»، أو «أركيلة فوق أركيلة صاحبة البيت زنغيلة» (أي غنية).
وإذا لم تستجب صاحبة البيت لهم فيبدأ الإزعاج والهجاء مثل: «نارة فوق نارة صاحبةالبيت ختيارة».
أما الكبار فيلبسون الأردية مقلوبة، أو ترتدي الأم ثياب زوجها،والزوج ثياب امرأته أو لباس أبيه (الشروال مثلاً)، ويسلقون القمح ويصنعون القطايف.
والقمح المسلوق، كما هو معلوم، هو باكورة الحصاد. والباكورة تقدَّم قرباناً للإلهفي الديانات القديمة.
ذكر أبو الفرج الأصفهاني في «الأغاني» أنالفقراء كانوا يطوفون في منتصف كل شهر وهم ينــشدون: «يــا صاحب البيت أجِر جوعان. يا ربــنا أعــطِه بــيتاً في عالي الجنان».
أما الــيوم فيحتــفل أولاد الخــليجالعربي بعــيد «القرقيعان» في النــصف من رمضان، أو في النصف من شعبان ويسمونــها «ليلة النــاصفة».
وربما احتفلت بعض المناطق بهــذه المناسبة في ليلة اكتمال البدر, وهي ليلة ذات إيحاء جنسي, وفي تلك الليلة يحمل الأولاد أكياساً في أعنــاقه مويطــوفون الشوارع
بعد الإفطار، ويقرعــون الطــاسات أو الطــبول منشــدين أهزوجاتتهــديدية لصــاحب الدار في ما لو لم يقدم لهم الحلوى، أو يمتدحونــه إذا تجـاوبمعهم وقام بتقــديم الهدايــا لهم .
والسؤال الذي يفرض نفسه هل نحن مطالبون في البحث عن معرفتي أصل هذه العادة ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم[13]:
" أعياد الكفار كثيرة مختلفة ، وليس على المسلم أن يبحث عنها ولا يعرفها ، بل يكفيه أن يعرف في أي فعل من الأفعال أو يوم أو مكان ، أن سبب هذا الفعل أو تعظيم هذا المكان
والزمان من جهتهم ، ولو لم يعرف أن سببه من جهتهم ، فيكفيه أن يعلم أنه لا أصل له في دين الإسلام ؛ فإنه إذا لم يكن له أصل فإما أن يكون قد أحدثه بعض الناس من تلقاء
نفسه ، أو يكون مأخوذا عنهم ، فأقل أحواله : أن يكون من البدع "
فإذا استقر هذا , أنه ليس له أصل في دين الإسلام فعلى المثبت الدليل , وإلا كان من قبيل المباحات حيث الأصل .
وبعد النظر إلى الدافع الذي جر بعض المسلمين إلى إحياء هذه الليلة ,
والأمر الذي يتعلق بالعادة أمرا اعتقاديا يصرفه عن إباحته , و مخالفة شرعية من أعظم المسائل التعبدية , شرعت في بيان ذلك .
فبالنظر إلى هذه العادة بعد البحث والتحري ,
تبين لي أنها مشابهة للعيد من وجه .
ومشابهة أيضاً للكفار من وجه آخر .
مشابهتها بالعيد
مشابهتها بالعيد يكمن في عدة أمور أذكر منها :
- تخصيصه في هذه الليلة .
- اتخاذه يوم راحة وفرح واللعب فيه .
- وأنه يوم عائد على وجه معتاد .
- فيه اجتماع وأعمال تتبع ذلك من العبادات ، أو العادات .
قال الشيخ القاضي سليمان الماجد حفظه الله في قاعدة الأعياد :
"وكل شيء يقصد فيه الزمن ووُجدت فيه سمات العيد فهو ممنوع في الشريعة، لكونه بدعة في الدين وحدثا في الشريعة وإن غيَّر الناس تسميته، ومن أظهر سمات
العيد في الشريعة والعرف واللغة: أنه يعود في زمن محدد، ويكون فيه الاجتماع، وتُظهر فيه الأعمال، كالتهاني أو اللعب أو المآكل والمشارب.
وبرهان ذلك أن البدعة تدخل في الدين المنزل المحدد بسمات تعبدية محضة، كالصلاة والحج والصيام، ويكون ذلك بأمرين:
الأول: التغيير في بنيتها أو زمانها أو مكانها، فمن زاد ركعة في الصلاة، أو جعلها في غير وقتها، أو في غير مكانها على الدوام فقد ابتدع.
والأمر الثاني: فعل عبادة أخرى مضاهية لها ولو لم يُغير في الواردة بشيء، كمن أحدث صلاة سادسة تؤدى ضحىً، ويجتمع الناس لها في المساجد.
والأعياد الشرعية، كالفطر والأضحى جاءت بسمات التعبد المحض وذلك في اختيار الشريعة لزمانها على وجه لا يعقل له معنى على التفصيل، فوجب أن يُسلك بها سبيل
العبادات المحضة، فنقول فيها ما قلناه في الشرائع المحددة بأنه لا يجوز أن نغير في زمانها، فنجعل عيد الفطر ـ مثلا ـ في ذي القعدة، ولا أن نجعل صلاة العيد بعد المغرب ولا
أن نحوله حزنا، فهذا إحداث في بنية العيد وزمانه، وهو الأمر الأول الممنوع في العبادات المحضة ويُوصف بالبدعة.
أما في الأمر الثاني وهو المضاهاة فلا يجوز أن نحدث عيدا ثالثا، ولو لم نغير في الأعياد الواردة، كالذي قلناه في الصلاة السادسة.
وهذه هي النتيجة المطلوبة في هذه المسألة.
وإنما دخل الإشكال على البعض في هذا الباب حين ظنوا أن البدعة لا تدخل إلا عملا يراد به القربة، كالصلاة والصيام والحج، وقد دلت الشريعة في باب الأعياد على صحة
هذا الاتجاه،فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذان اليومان ؟
قالوا: كنا نلعب فيهما فِي الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر". [14]
وقال صلى الله عليه وسلم: "يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" رواه أحمد من حديث عقبة بن عامررضي الله عنه.
فقوله: "أبدلكم" دليل على إبطال كل عيد وإلا لزادهم من أعياد الإسلام دون إبطال الأعياد الحالية. وقوله: "عيدنا أهل الإسلام" دليل على أن ما سواها أعيادُ غير أهل الإسلام.
ثم تأيدت هذه الأدلة بالهدي الظاهر للسلف، فلم يظهر في ديار الإسلام بعد إيقاف الرسول صلى الله عليه وسلم الأعياد السابقة، وإبدالها بأعياد الإسلام أي عيد طيلة القرون الثلاثة
المفضلة تعبدية كانت أو عادية، حتى أحدث العبيديون عيد المولد، وذلك رغم أن للأمم المجاورة أو المخالطة للمسلمين أعياداً تعبدية وعادية، يقصد منها الاحتفاء بزمان أو شخص،
كعيد الشعانين ومولد عيسى عليه السلام للنصارى، والنيروز للفرس وغيرها من الأعياد، لاسيما والأمة فِي هذه القرون كانت تأخذ الكثير من المفيد النافع من الأمم الأخرى، فتركها
لهذه الأعياد رغم وجودها دليل على إعراضها عنها ديانة.
قال شيخ الإسلام :
" أن العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد ، إما بعود السنة ، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر ، أو نحو ذلك .
فالعيد يجمع أموراً :
منها : يوم عائد ، كيوم الفطر ويوم الجمعة .
ومنها : اجتماع فيه .
ومنها : أعمال تتبع ذلك من العبادات ، أو العادات ، وقد يختص العيد بمكان بعينه وقد يكون مطلقا ، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً
فالزمان كقوله r ليوم الجمعة : (( إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيداً ))[15] .
والاجتماع والأعمال كقول ابن عباس : " شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم "[1]
والمكان كقوله صلى الله عليه و سلم : (( لا تتخذوا قبري عيداً )) [17].
وقد يكون لفظ " العيد " اسما لمجموع اليوم والعمل فيه ، وهو الغالب ، كقول النبي صلى الله عليه و سلم :
(( دعهما يا أبا بكر ، فإن لكل قوم عيداً ، وإن هذا عيدنا )) .
فقول النبي صلى الله عليه و سلم : (( هل بها عيد من أعيادهم )) [18] يريد اجتماعاً معتاداً من اجتماعاتهم التي كانت عندهم عيداً "[19].
وأما عن مفهوم التخصيص ,
قال شيخ الإسلام :
" ومن ذلك ترك الوظائف الراتبة ، من الصنائع أو التجارات أو حلق العلم أو غير ذلك واتخاذه يوم راحة وفرح واللعب فيه .... على وجه يخالف ما قبله وما بعده من الأيام .
والضابط : أنه لا يحدث فيه أمر أصلاً ، بل يجعل يوماً كسائر الأيام [20] " .
فتبين لكل منصف محبا متبعا لهدي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن القرقيعان مشابهته بالعيد ظاهرة , فمسألة الأعياد من المسائل الشرعية التعبدية ،
التي لا يجوز الابتداع فيها ولا الزيادة ولا النقص ، وليست مجرد عادات بل تشريع أعياد لم يشرعها الله يكون حكماً بغير ما أنزل الله ، وقولاً على الله بغير علم ،
وافتراءً عليه ، وابتداعاً في دينه ، فالله تعالى لم يشرع للمسلمين إلا عيدين ، هما عيد الأضحى ، وعيد الفطر ، وأن الرسول صلى الله عليه و سلم نهى عن اتخاذ الأعياد سواءً كانت أعياداً جديدة ، أو أعياداً قديمة تحيا .
وقال أيضاً : الأعياد شريعة من الشرائع , فيجب فيها الاتباع , لا الابتداع [21].
مشابهة الكفار
وأما عن مشابهة الكفار , فقد جاء النهي عن مشابهتهم كما لا يخفى عند أهل الفطر والقلوب السليمة , قال صلى الله عليه و سلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم ))[22] ، فهذا يقتضي تحريم التشبه .
فقد نهينا عن التشبه بهم ، وأمرنا بمخالفتهم ، وعدم موافقتهم .
قال شيخ الإسلام :
" العيد : اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه
من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك [23]"
فبين رحمه الله أن كل اجتماع عام يحدثه الناس ويعتادونه في زمان معين أو مكان معين أو هما معاً ، فإنه عيد ، كما أن كل أثر من الآثار القديمة
أو الجديدة يحييه الناس ويرتادونه ، فإنه يكون عيداً لهم .
" إذا تقرر هذا الأصل في مشابهتهم فنقول : موافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين :
الطريق الأول : أن هذا موافقة لأهل الكتاب فيما ليس في ديننا ، ولا عادة سلفنا ، فيكون فيه مفسدة موافقتهم ، وفي تركه مصلحة مخالفتهم ،
حتى لو كان موافقتهم في ذلك أمراً اتفاقياً ليس مأخوذاً عنهم ؛ لكان المشروع لنا مخالفتهم .
وأما الطريق الثاني : الخاص في نفس أعياد الكفار .
فالكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب قوله تعالى : وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ الفرقان: 72
قال مجاهد وغيره : " هو أعياد المشركين " .
وأما أعياد المشركين فجمعت الشبهة والشهوة وهي باطل إذ لا منفعة فيها في الدين , وما فيها من اللذة العاجلة :
فعاقبتها إلى ألم , فصارت زوراً , وحضورها : شهودها , وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور , برؤية أو سماع , فكيف بالموافقة
بما يزيد على ذلك , من العمل الذي هو عمل الزور , لا مجرد شهوده ؟
وأما السنة : فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : (( ما هذان اليومان ؟ ))
قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر ))[24] .
فهذا يقتضي ترك الجمع بينهما ، لا سيما قوله : ((خيرا منهما )) يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية .
وأيضا فإن ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام ، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا عهد خلفائه ، ولو لم يكن قد نهى الناس
عن اللعب فيهما ونحوه مما كانوا يفعلونه ، لكانوا قد بقوا على العادة ؛ إذ العادات لا تغير إلا بمغير يزيلها لا سيما وطباع النساء والصبيان
وكثير من الناس متشوقة إلى اليوم الذي يتخذونه عيداً للبطالة واللعب .
ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم ؛ لقوة مقتضيها من نفوسهم ، وتوفر همم الجماهير على اتخاذها " [25]
وأما الإجماع "فقد اتفق الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام ........... فإذا كان المسلمون قد اتفقوا
على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهرا لها"[26].
فكيف إذا كان هذا العيد ديناً لهم ؟
قال شيخ الإسلام :
" أعياد الكتابيين التي تتخذ دينا وعبادة أعظم تحريماً من عيد يتخذ لهواً ولعباً ؛ لأن التعبد بما يسخطه الله ويكرهه أعظم من اقتضاء الشهوات بما حرمه ولهذا كان الشرك
أعظم إثماً من الزنا ... وإذا كان الشارع قد حسم مادة أعياد أهل الأوثان خشية أن يتدنس المسلم بشيء من أمر الكفار ... فالخشية من تدنسه بأوضار [27]
الكتابيين الباقين أشد ، والنهي عنه أوكد ، كيف وقد تقدم الخبر الصادق بسلوك طائفة من هذه الأمة سبيلهم [28] " .
يعني بذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم )) [29].
وأما عن تخصيص هذه الليلة في مشابهة النصارى ، قال :
" لكن لما اختصت به هذه الأيام ونحوها من الأيام التي ليس لها خصوصية في دين الله وإنما خصوصها في الدين الباطل بل إنما أصل تخصيصها من دين الكافرين وتخصيصها
بذلك فيه مشابهة لهم وليس لجاهل أن يعتقد أن بهذا تحصل المخالفة لهم كما في صوم يوم عاشوراء لأن ذلك فيما كان أصله مشروعا لنا وهم يفعلونه فإنا نخالفهم في وصفه .
فأما ما لم يكن في ديننا بحال ، بل هو في دينهم المبتدع والمنسوخ ، فليس لنا أن نشابههم لا في أصله ولا في وصفه .
فإحداث ما في هذه الأيام التي يتعلق تخصيصها بهم لا بنا ، هو مشابهة لهم في أصل تخصيص هذه الأيام بشيء فيه تعظيم [30]".
" وبهذا يتبين لك كمال موقع الشريعة الحنيفية ، وبعض حكمة ما شرعه الله لرسوله من مباينة الكفار ومخالفتهم في عامة أمورهم ؛ لتكون المخالفة أحسم لمادة الشر " أي الشرك " ،
وأبعد عن الوقوع فيما وقع فيه الناس[31] " .
" فمشابهة الكفار في القليل من أمر عيدهم ، وعدم النهي عن ذلك ، وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح
" أي التي تفعل في أعيادهم " ؛ كانت محرمة ، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله[32].
لأنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير ، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس ، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس ، بل عيداً ، حتى يضاهى بعيد الله ،
بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر ، كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام [33]" .
ناهيك عما يترتب على هذه الليلة من مفاسد سيئة .
فمن المفاسد :
" أن العبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته ، قلَّت رغبته في المشروع ، وانتفاعه به بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته
إلى المشروع ؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ويتم دينه به ، ويكمل إسلامه [34]" .
" ولهذا قال صلى الله عليه و سلم في العيدين الجاهليين : (( إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيراً منهما )) .
فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة مانعاً عن الاغتذاء أو كمال الاغتذاء بتلك الأعمال الصالحة النافعة الشرعية ، فيفسد عليه حاله من حيث لا يشعر ،
كما يفسد جسد المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر ، وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع .
إذا تبين هذا فلا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره ، اتفاقاً واجتماعات وراحة ، ولذة وسروراً ، وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق
الأغراض به ، فلهذا جاءت الشريعة في العيد بإعلان ذكر الله تعالى فيه ، حتى جعل فيه من التكبير في صلاته وخطبته وغير ذلك ، ما ليس في سائر الصلوات ، وأقامت فيه
من تعظيم الله وتنزيل الرحمة فيه ، خصوصاً العيد الأكبر ما فيه صلاح الخلق كما دل عليه قوله تعالى : وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [35]
فصار ما وُسِّع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عوناً على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية ؛ فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها ،
أو بعض الذي يكون في عيد الله ، فترت عن الرغبة في عيد الله ، وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم ، فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه ، فخسرت خسراناً مبيناً .
وأقل الدرجات : أنك لو فرضت رجلين :
أحدهما قد اجتمع اهتمامه بأمر العيد على المشروع ، والآخر مهتم بهذا وبهذا ، فإنك بالضرورة تجد المتجرد للمشروع ، أعظم اهتماماً به من المشرك بينه وبين غيره ،
ومن لم يدرك هذا فلغفلته أو إعراضه ، وهذا أمر يعلمه من يعرف بعض أسرار الشرائع .
وأما الإحساس بفتور الرغبة ، فيجده كل أحد ، فإنا نجد الرجل إذا كسا أولاده ، أو وسَّع عليهم في بعض الأعياد المسخوطة ، فلا بد أن تنقص حرمة العيد المرضي من قلوبهم ،
حتى لو قيل : بل في القلوب ما يسع هذين ، قيل : لو تجردت لأحدهما ؛ لكان أكمل [36]" أ.هـ
أضف إلى ذلك من المفاسد السيئة في هذه الليلة ,
الإسراف والتبذير وإضاعة المال , والاختلاط المحرم , وتعليم الصغار وتعويدهم على التسول ,
فوالله ثم والله إنا لنسر بفرحِ الأطفال وإدخال السرور عليهم لكن بدون إحداث أعياد !
ويفرحنا صلة الأرحام واجتماع الناس لكن وفق الضوابط الشرعية !
أرأيت لو اجتمع ذوي الأرحام للإحتفال بالمولد النبوي أكان ذلك مبرراً لهم في صلتهم , لا ....
والخلاصة :
أن أي عيد أو احتفال ليس له في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم أصل ، ولم يعهد في عصر الصحابة ، والقرون الفاضلة ، فإنما قام على الباطل ،
ويقال لمن فعله أو أحله قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [37]
ولن يجدوا إلا قول من سبقوهم إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ [38]
ولقد سألت كبار السن عن ذلك ، لمـاذا سُميت تلك الليلة بليلة القرقيعان ؟
ولمـاذا خُصصت هذه الليلة بالخامس عشر من رمضان ؟
فما كان جوابهم إلا أننا فطرنا عليها ورأينا آبائنا يفعلون ذلك .
فإذا كانت هذه حجتهم , وعليها تمسكهم , وبها يتشبثون ,
فالمرجع إذاً .. إلى النبع الصافي , والقول الفصل , كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ؛ حيث الهدى والنور , والراحة والطمائنينة , ومثلك راغباً للخير ,
خائفاً من الشر , ليس بفهمي ولا فهمك , وإنما هو قول ربك فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [39]
فقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه :
فتوى رقم (15532) وتاريخ 24/11/1413هـ.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي/ مدير مركز الدعوة بالدمام بالنيابة والمحال
إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (5054)
وتاريخ 6/10/1413هـ . وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه :
(أنه جرت العادة في دول الخليج وشرق المملكة أن يكون هناك مهرجان (القرقيعان) وهذا يكون في منتصف شهر رمضان أو قبله وكان يقوم به الأطفال يتجولون
على البيوت يرددون أناشيد ومن الناس من يعطيهم حلوى أو مكسرات أو قليل من النقود وكانت لا ضابط لها إلا أنه في الوقت الحاضر بدأت العناية به وصار له
احتفال في بعض المواقع والمدارس وغيرها. وصار ليس للأطفال وحدهم. وصار تجتمع له الأجيال ؟ )
وبعد دراسة اللجنة للإستفتاء المذكور أجابت عنه بأن الاحتفال في ليلة الخامس عشر من رمضان أو في غيرها بمناسبة ما يسمى مهرجان القرقيعان بدعة لا أصل
لها في الإسلام (وكل بدعة ضلالة) فيجب تركها والتحذير منها ولا تجوز إقامتها في أي مكان لا في المدارس ولا المؤسسات أو غيرها.
والمشروع في ليالي رمضان بعد العناية بالفرائض الاجتهاد بالقيام وتلاوة القرآن والدعاء. والله الموفق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم..
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس نائب الرئيس
عبدالعزيز بن عبد الله بن باز عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
عضو
عبد الله بن عبدالرحمن الغديان
عضو عضو
بكر بن عبد الله أبو زيـد صالح بن فوزان الفوزان
فتوى العلامة الشيخ ابن جبرين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وبعد ،،
فضيلة الشيخ/عبد الله بن عبدالرحمن الجبرين حفظه الله ونفعنا بعلومه آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،
نعلمكم أنه توجد لدينا عادة منتشرة في منطقة الخليج وهي الاحتفال بمناسبة يسمونها "القرقيعان" في الخامس عشر من شهر رمضان من كل سنة ولهم لباس
خاص يلبسونه للبنات يسمى المخنق ويوزعون فيه الحلويات والمكسرات على الأطفال ولهم أهازيج خاصة في هذه المناسبة يردد فيها الأطفال عبارات منها
(أعطونا الله يعطيكم...أعطونا من مال الله ) وقد يطوفون على البيوت لجمع هذه القرقيعان وفرحة الأطفال في هذه المناسبة لا تقل عن فرحتهم بالعيدين وربما
أشد وقد حاول بعض الأشخاص معرفة أصل هذه العادة فلم يهتدوا إلى شيء مؤكد , فمن قائل أنها حدثت في أيام الدولة العباسية , ومنهم من يقول أنها عيد للفرس والمجوس ,
ومنهم من يقول أنها مأخوذة عن بعض أعياد النصارى الذين سبق أن استعمروا المنطقة كعيد الهلوبن والباربارا فالله أعلم بأصلها ولكن انتشارها في المناطق الساحلية
دون وسط الجزيرة يشعر بأنها وصلت من احتكاك خارجي
ويحدث أحياناً وليس دائماً في هذه المناسبة بعض الأمور منها:
- رقص النساء في حفلات عامة تحضرها سيدات المجتمع كما يقولون .
- توزيع علب من الفضة فيها هذا القرقيعان .
- قيام بعض الأولاد بالطواف على البيوت وطرق الأبواب وطلب الحلويات والمكسرات وإذا لم يعطوا رموا الباب أو النوافذ بالحجارة وسبوا وشتموا أهل البيت .
- أن الاحتفال بهذه المناسبة صار يعد نوعا من الفلكور الشعبي الذي يعرض في المعارض على أنه من تراث المنطقة .
فالمرجو منكم تبيين حكم الاحتفال بهذه العادة في هذا اليوم المعين وحكم ما يتفرع عنها من الأعمال والمظاهر ليعلم الناس حكمها ويستنيروا بفتواكم والله يوفقنا وإياكم لكل خير
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. وبعد,,
فهذا العيد لا أصل له في الشرع ولا في العرف العام وحيث أنه يحتوي على هذه الأعمال وعلى الرقص والطرب وإظهار الفرح وما ذكر في السؤال فإنه بدعة
محدثة يجب إنكارها والقضاء عليها ولا يجوز إقرارها والمساهمة فيها .
قاله /عبد الله بن عبدالرحمن الجبرين
عضو الإفتاء
وصلى الله على محمد و آله وصحبه وسلم في 13 / 9 / 1413هـ .
فتبين لك أن حكم هذه العادة بدعة .
" والبدعة " لغة : بدع الشيء يبدعه وابتدعه : أنشأه وبدأه .
والبدعة : الحدث ، وكل محدثة .
اصطلاحاً : طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية ، يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية [40] .
والبدع أنواع : اعتقادية ، وقولية ، وفعلية .
والفعلية : زمانية ومكانية ،
والزمانية : هي موضوع بحثنا [41] .
فالعادة إذا خالفت نصاً , فباعتيادك عليها تكون عبادة , والعبادات توقيفية , فلا يشرع فيها إلا ما شرعه الله .
كيف حكمنا على أن هذه العادة من البدع مع أن الأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله ؟
لا شك أن الأصل في العادات الإباحة ، وأن من قواعد الشريعة الكبرى " العادة محكمة " بشرط أن لا تخالف نصاً من كتاب الله أو السنة أو الإجماع ، فإذا خالفها فلا عبرة به .
والأصل في عاداتنا الإباحة حتى يجيء صارف الإباحة
والصارف عن إباحته هو أصل هذه العادة كما تقدم أن القرقيعان عادة ابتدعها الرافضة بمناسبة مولد الحسن بن علي رضي لله عنه ثم انتقلت بعد ذلك إلى عوام المسلمين , وأنها مشابهة للعيد .
فكيف إذا كانت فيه مشابهة وموافقة للنصارى .
فإذا تقرر هذا .... علم أن هذه العادة بدعة .
والبدعة خطرها كبير ، وخطبها جسيم ، والمصيبة بها عظيمة ، وهي أشد خطراً من الذنوب والمعاصي ؛ لأن صاحب المعصية يعلم أنه وقع في أمر محرم ، فيتركه ويتوب منه ،
وأما صاحب البدعة فإنه يرى أنه على حق فيستمر على بدعته حتى يموت عليها ، وهو في الحقيقة متَّبع لهوى ، وناكب عن الصراط المستقيم ، وقد قال الله عز وجل :
أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فاطر: 8 .
فالأسباب التي أدَّت إلى ظهور البدع : الجهل بأحكام الدين ، إتباع الهوى ، التعصب للآراء والأشخاص ، التشبه بالكفار وتقليدهم .
فنصيحتي لوسائل الإعلام وغيرها أن تحافظ على ميراث نبيها بنشر السنة والتحذير من البدعة .
وعلى جميع العلماء والدعاة [42], والأئمة والخطباء أن يبينوا للناس حكم هذه العادة ويحذرونهم منها .
قال شيخ الإسلام :
" فعليك بالتمسك بالسنة باطناً وظاهراً , في خاصتك وخاصة من يطيعك واعرف المعروف وأنكر المنكر .
وادعُ إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه فلا تدعُ إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه أو ترك واجب أو مندوب تركه
أضر من فعل ذلك المكروه ولكن إذا كان في البدعة نوع من الخير فعوض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان إذا النفوس لا تترك شيئا إلا بشيء
ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرا إلا إلى مثله أو إلى خير منه [43] ".
" فتفطن لحقيقة الدين وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية, والمفاسد ؛ بحيث تعرف ما مراتب المعروف ومراتب المنكر حتى تقدم أهمها
عند الازدحام , فإن هذا حقيقة العلم بما جاءت به الرسل [44]" .
والله أسأل أن يعين ولاة أمرنا من العلماء والأمراء في القضاء على هذه العادة المبتدعة , وغيرها من الأعياد المحدثة ,
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
[1] أخرجه مسلم من حديث جابر (1218) .
[2] رواه ابن ماجه برقم (43) وصححه الألباني .
[3] يشير الباحث الشعبي محمد المسلماني إلى أصل هذه الكلمة فيقول:أن هذه العادة كانتتمارس في عصر العباسيين وهي الطلب في منتصف الشهر بحداء أقرب إلى الرجز يقـول :
ياصــاحب الـبيت
أجــر جـوعــان
يـا ربنـــاإعطـه
بيتـاً في عالـي الجنـان
وكـان الفقراء يقصدون بيتالخليفه وبيوت الوزراء بهذه الأغنية طوال ليل ونهـار منتصف رمضان , وإذا توقفناعند كلمة (أجر جوعان) وهو طلب الجـيرة
وطلب الحماية للجائع ومعنى ذلك طلب شيء ، فلوتأملنا كلمة (أجر جوعان) وكلمة (كريكعان) سنجد أن الثانية تحريف للأولى
فكانت (أجرجعان) فحرفت (جرجعان) إلى (كركعان) ، وإن كانت الإضافات الشعبية هي التي أكملت صيغةالغنـاء والشعر في الأهزوجة الشعبية الحالية ،
و(كرنكعوه) هو تحريف آخر تسمعه للكلمةالأولى وما زال يردد في أضنة وفي الأناضول في تركيا إلى يومنا هذا .
[4] الإستيعاب في معرفة الأصحاب برقم 572 .
[5] هو العلامة الخطيب الشيخ صالح الكرباسي المولود عام 1376 هـ ، درس في كربلاء وطهران وقم ، وهو من أئمة الجماعة وخطباء المنبر الحسيني
المتكلمين بالعربية والفارسية ، حيث يقوم أيضا بالإجابة على أسئلة الشباب عبر شبكة الاتصالات الآلية ( الانترنيت )
تحت عنوان " مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامي "
كتبه البحاثة | عبد الحسين بن حسن الصالحي , مؤلف دائرة المعارف الحسينية و أسـرتـه.
[6] قال الذهبي رحمه الله "مولده في شعبان سنة ثلاث من الهجرة , وقيل: في نص |